لم يعد القتل ولا القمع ولا الدبابات التي ضلّت الطريق من الحدود مع إسرائيل إلى داخل المدن المقهورة من حماه إلى حمص وأدلب ودرعا وغيرها تخيف طالبي الحرية والكرامة من السوريين. الشارع السوري تجاوز الجميع، النظام الأسدي الذي يلعب على الوقت لتقطيع المرحلة، والخارج المرتبك الذي يريد الخلاص لكنه خائف من ليبيا ثانية تشكّل له خطراً محتملاً بالتفجير في منطقة تضم أخطر الصراعات وأطولها.
إعادة الشارع السوري إلى الوراء أصبحت مستحيلة، إلا في حالة إغراقه في بحر من الدماء وسط صمت عربي ودولي كامل، يبدو من المستحيل حصوله، مهما بلغ الخوف من تفجير المنطقة. هذا الشارع تجاوز أيضاً المعارضات العاجزة حتى الآن عن التوصل إلى صيغة الحد الأدنى المقبولة داخلياً وخارجياً، تضمن على الأقل صورة مقبولة للبديل، لأنّ الخوف من معرفة البديل يقيد حتى الآن شرائح واسعة من السوريين والمجتمع الدولي. ليس مقبولاً الدخول في نفق لا أمل بظهور النور في نهايته.
ارتباك تركيا أسعد دمشق وأنصارها. أنقرة مربكة لأنه لا يمكنها اجتياز خطوط حمراء في علاقاتها مع سوريا - الموقع الجيوستراتيجي بالنسبة لها، وفي الوقت نفسه لا يمكنها التخلي عن المبادئ والأسس التي وضعتها منذ البداية في علاقاتها مع الشعب السوري. أنقرة تعرف جيداً أنها لا تملك سيف السلطنة العثمانية الطويل، لكنها في الوقت نفسه تملك موقفاً يمكن أن يجد له في الموقفين العربي والدولي المتطورين رافعة لها للانتقال من التشديد على المبادئ إلى التركيز على التنفيذ.
الرئيس التركي عبدالله غول وقبله رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان رسما مساراً واضحاً أمام الرئيس بشار الأسد. سلوكه بسرعة دون تردّد يدخله التاريخ، أما عدم سلوكه فإنّ رياح التغيير ستجرفه. المطلوب من الرئيس بشار الأسد أن:
[ يعيد الجيش السوري إلى ثكناته وأن تكون هذه العودة نهائية.
[ توقف العنف وإراقة الدماء.
[ القيام بإجراءات سريعة لتنفيذ الإصلاحات وليس الكلام.
[ أن تنتهي الإصلاحات خلال فترة أسبوعين أي قبل حلول عيد الفطر المبارك.
السؤال ليس هل يستطيع النظام الأسدي تنفيذ سلة المطالب التركية التي هي أيضاً أميركية في أسبوعين، وإنما هل يريد هذا النظام الخروج من الانزلاق نحو الهاوية والوصول إلى يوم يشعر فيه بالأسف لأنّ تأخّره جاء متأخّراً جداً؟
سقوط عدة آلاف أخرى من المدنيين في الشوارع، يشكل ثمناً طبيعياً بالنسبة لأهل النظام الأسدي، من أجل استمرار نظام الممانعة والمقاومة. لا يريدون أن يصدّقوا ولا أن يتقبّلوا أنّ بقاء النظام أهم بكثير بالنسبة لقوى النظام من تحرير فلسطين واستعادة الجولان. ايهودا باراك كشف أمام صحافيين فرنسيين خلال زيارته الأخيرة لباريس ان دمشق قدمت خلال المفاوضات غير المباشرة بينهما لائحة بمطالبها كانت حسب الترتيب التالي:
[ بقاء عائلة الاسد في السلطة (تطويق اي حملة في الغرب اعلامية او سياسية ضدها).
[ تأكيد عودة سوريا إلى لبنان وتثبيت مصالحها فيه (أي العودة إلى اتفاق الرئيس الراحل حافظ الأسد وهنري كيسنجر الذي دخلت بموجبه القوات السورية لبنان فيما بعد).
[ الحصول على استثمارات أميركية واسعة في سوريا (أي دعم اللوبي اليهودي الأميركي لطلبات دمشق الاستثمارية).
[ عودة الجولان.
وضع عودة الجولان في نهاية قائمة مطالب الاسد ليس جديداً، سبق وأن تكلم الرئيس الراحل حافظ الأسد في لقاء استمر 120 دقيقة مع كلود شيسون وزير الخارجية الفرنسي الأسبق، حوالى مئة دقيقة عن العلاقة التاريخية بين سوريا ولبنان ودور فرنسا في اقتطاع لبنان من سوريا الطبيعية. العشرون دقيقة الباقية كانت للحديث عن كل شيء بما فيها فلسطين والجولان.
أهل النظام الأسدي يرون في المهلة التي يتكلم عنها غول وأردوغان إعلاناً موقّعاً بالعجز عن الضغط على النظام من أجل التغيير، وليس ساعة أمل، نهايتها مطلوب خلالها تنفيذ إجراءات محددة تشكل بداية لمسار دولي وعربي جديد، خصوصاً إذا استمر الشارع السوري مفتوحاً لصدور المتظاهرين العارية إلا من إيمانها بالحرية.
[email protected]
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.