8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

فن تعليم الديموقراطية في المدرسة الأسدية

ليس النظام الأسدي وحده، لا يمكنه التراجع والرجوع الى الوراء. المعارضة السورية، بدورها اجتازت خطوطاً حمراً عديدة، ولم يعد مسموحاً لها بالعودة الى مطلع العام 2011. الموت في المواجهات، أسلم وأشرف من الموت انتحاراً. زمن المراجعات والتراجعات انتهى. المتوقع مزيد من التصعيد والتصعيد المضاد من الآن وحتى المستقبل المنظور.
النظام الأسدي، استدعى الآلة الأمنية القديمة للاستفادة من تجاربها وخبراتها في مواجهة الثورة. هذا الاستدعاء، يؤكد أن النظام يعترف بعجز الآلة الأمنية القائمة عن إنهاء ما يسميه المؤامرة الخارجية أو الأعمال المسلحة للمندسين والمخربين. المعارضات تتجذر. شباب التنسيقيات ينضجون يوماً بعد يوم على نار الشارع ومواجهاته. اكتسب الشباب خبرات في خمسة أشهر أكثر بكثير من خبرات آبائهم طوال أربعين عاماً. الآباء استكانوا وغرقوا في الصمت، ففقدوا ذاتهم، الأبناء يثأرون اليوم لآبائهم، ويصنعون المستقبل في الوقت نفسه.
المعارضات السورية، تنتظم وتتنظم، لتصبح معارضة لها صوت واحد. ليس سهلاً، إستنبات الزرع بعد تصحير للأرض استمر أربعة عقود. في سوريا جرت عملية مبرمجة بالحديد والنار والمعتقلات التي ينسى المقيمون فيها أسماءهم لأنهم لا يُذكرون إلا بأرقامهم، لتصحير الحياة السياسية. نجح النظام الأسدي، في تنفيذ هذا البرنامج. الأنظمة الديكتاورية، تتشابه. في ليبيا ـ القذافي تحوّل الشعب الليبي الى مجموعات من الهتافين. يلزم الليبيين الكثير من الوقت للخروج من حالة التهتيف الى حالة التفكير والمشاركة في الحياة على أنواعها خصوصاً السياسية منها. ربما لأن السوريين يعرفون السياسة والعمل الحزبي ونشاطاته يمكنهم العودة بسرعة الى النضج، خصوصاً وأن نار الثورة تجبر الثائرين على حرق المراحل. العمل جدي لتنظيم المعارضات في معارضة واحدة. المشكلة أن معارضة الداخل علمانية، ومعارضة الخارج يغلب عليها الطابع الإسلامي لأن أركانها هجروا وتوزعوا المنافي. النظام الأسدي يعمل على بث الرعب من خطر الأصوليين داخل سوريا خصوصاً في أوساط الأقليات وعلى رأسها المسيحيون، وخارجها للتأكيد أنه الضمانة لعدم أسلمة النظام السوري وسيطرتها على سوريا. متى توحدت المعارضات وأصبح لها برنامج وطني واحد تسقط كل محاولات بث الرعب داخلياً وخارجياً. المطلوب الإسراع في تظهير هذه الوحدة مع إبعاد خطر تكرار التجربة الليبية حتى ولو كان خيار السوريين الموت في السجون والمعتقلات أو في الشارع.
يوميات الثورة تؤكد ذلك. بعض اللقطات التي يصوّرها المتظاهرون، تثبت أمرين: الشراسة والسادية التي يتمتع بها أفراد آلة القمع والقتل من جهة، ونمو الشجاعة الخارجة من كسر الشباب لقيود الخوف. من هذه اليوميات:
[ شاب في الثلاثين من عمره من درعا في الأيام الأولى للانتفاضة، وهو يلفظ أنفاسه بعد إصابته بالرصاص يقول لإخوته الذين يحملونه: أمضيت أجمل أربعة أيام من عمري. الأيام الأربعة التي صرخت فيها معكم الحرية تجعلني أحيا ولا أموت.
[ شاب مجهول الهوية والمكان، يقول: لم نعد نخاف من بعضنا البعض. كان الأب يخاف من ابنه والابن من شقيقه. زرعوا الخوف داخل غرف نومنا. لقد تحرّرنا من هذا الخوف عندما صرخنا في الشارع الشعب يريد إسقاط النظام.
[مشهد علي فرزات مهشم اليدين اللتين يرسم بهما الحرية والوطن، درس أسدي آخر في الديموقراطية.
[ رجال معصوبو الأعين في حافلة. جنود أو شبيحة استسهلوا الدوس على كرامات الرجال (كيف يمكن لرجل بلا كرامة أن يقاتل من أجل تحرير أرضه التي تتطلب عنفواناً غير محدود للكرامة)، يضربونهم ويسيرون فوقهم وهم يدعونهم للصراخ: سوريا، الله، بشار وبس. يردد الرجال الهتاف. هكذا يزرعون الحقد لينفجر في التظاهرات حرية وبس.
[ جنود فقدوا كرامتهم يرقصون الدبكة فوق أجساد رجال ممددين على الأرض وأيديهم مكبّلة. يستحضر شباب التنسيقيات صورة أخرى للجيش الذي يعيش من أجل الشعب والوطن. الصورة الأخرى لجنود يابانيين أثناء كارثة التسونامي صنعوا من أجسادهم الغارقة في الوحول جسراً ليعبر فوقه الرجال والنساء إلى ساحة جافة.
[ مدرسة لم يدخلها التلاميذ وربما لن يتمكنوا من دخولها مع مطلع الخريف، تحوّلت إلى معتقل. في الصف رجال عوقبوا كما كان يعاقب التلامذة الصغار، بوضع رؤوسهم على الطاولة. يتولى جندي تعليم المعتقلين. يشد شعر المعتقلين واحداً واحداً ويسألهم: مَن هو معلمك؟. وهو يتوجع يقول: الأسد. لا تعجبه الإجابة فيأتي الرد صفعة على رقبته. هذا هو فن تعليم الديموقراطية في المدرسة الأسدية. القهر لا يصنع الولاء. الخوف لا يصنع شعباً حراً. شعب بلا حرية لا يحرّر أرضاً محتلة مهما كانت شعارات الممانعة والمقاومة كبيرة وطاغية.
تجربة الشعب السوري مع النار والحديد أكثر تعقيداً وكلفة من تجارب باقي ثورات الربيع العربي. موقع سوريا الجيوستراتيجي، وكونها حلقة أساسية في محور سياسي يطلق عليه محور الممانعة والمقاومة فإنّ المفاجآت ستكون عديدة ومختلفة. لكن من المؤكد ان الشعب السوري هو الذي سيعلّم الجميع كيف يربح نفسه عندما فرض في مدرسة الثورة فن الديموقراطية المرتكزة على الكرامة والحرية.
[email protected]

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00