8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

النظام الأسدي كان لاعباً فأصبح ملعباً

كانت سوريا، حتى هذا العام، لاعباً إقليمياً أساسياً ومهماً وبارعاً. منذ خمسة أشهر، أصبحت ملعباً تتبادل القوى الإقليمية والدولية، رمي الكرات وتسجيل الأهداف عليه وفيه. في خمسة أشهر، عادت سوريا الى الوراء كما لم تعش ذلك، حتى في عزّ سلسلة الانقلابات العسكرية. كل التحركات التي تحدث، وجميع ردات الفعل التي يقوم بها النظام الأسدي، تُذكر بطريقة أو أخرى بشريط الأحداث والتطورات في لبنان مع مطلع الأحداث ومن ثم الحرب الأهلية. الاصطدام مع الفلسطينيين دفع الى تدخل القاهرة وصولاً الى اتفاق القاهرة الذي أقام ما أصبح يعرف بـفتح ـ لاند، وتوالت الأحداث. حتى حين وقعت حادثة بوسطة عين الرمانة وما بعدها، لم ينقطع سيل الوفود والوسطاء والبيانات والاتفاقيات وصولاً الى اتفاق الطائف.
كان يوجد لاعب ماهر جداً وبارد جداً في مواجهة أنهار الدماء التي كانت تسيل هو الرئيس حافظ الأسد.
كان يريد ونجح في تحويل سوريا الى الرقم الأصعب خصوصاً بعد خروج مصر من المعادلة العربية، وتوحيد المسار والمصير بين لبنان وسوريا، طالما أنه من الصعب استعادة درة بلاد الشام الى الشام، ونجح في ذلك نجاحاً عظيماً.
الرئيس بشار الأسد، لا تعوزه المهارة ولا البرودة. فقط تغير الزمن. ما كان مقبولاً أيام والده لم يعد مقبولاً حالياً. الأهم أن العالم وتحديداً واشنطن وباريس قبلتا به وتعاملتا معه ومع الكثير من طموحاته بايجابية.
ثورات الربيع العربي، غيّرت المعادلات، فتحت أعين العالم على النظام العربي. سقوط زين العابدين بن علي وحسني مبارك ومعمر القذافي، صاغ معادلة جديدة لا يمكن الفكاك منها.
لا يمكن القبول والحماس لثورات مصر وتونس وليبيا، الى درجة صياغة وتنفيذ نوع من التدخل العسكري الذي يأخذ بتجربة العراق، والقبول أو السكوت عن ما يجري في سوريا من تجاوزات وصلت الى حد وضعها تحت باب جرائم ضد الإنسانية.
موقع سوريا الجيوستراتيجي، وكون التغيير فيها سواء كان سلبياً، بمعنى انتصار النظام وبقائه، أو ايجابياً يقوم على ولادة نظام ديموقراطي عماده كما يعرف العالم ذلك الحرية والكرامة للمواطن السوري وتداول السلطة عبر صناديق الاقتراع، وهذا التغيير سيطال المنطقة بكاملها.
كون سوريا حلقة القطع والوصل في الصراع العربي ـ الإسرائيلي، وفي تشكل المحاور السياسية، فإن ذلك يعزز هذا الشرخ الواسع والعميق بين مختلف القوى منها. ما زالت قوى عديدة على رأسها روسيا وإيران ترى أن باب الحل ما زال ويجب أن يبقى مفتوحاً في وجه النظام الأسدي. المشكلة في النظام وليس في حلفائه، مدى استعداده لتغيير دفة سفينته وهي في أعالي البحار كما يُقال يبدو صعباً. قبل أيام تجمع قوميون عرب لا يمكن الشك في إخلاصهم وشفافيتهم من وزن الرئيس سليم الحص وسامي شرف مدير مكتب جمال عبد الناصر وغيرهما وتدارسوا الوضع وخرجوا بقراءة للأحداث في سوريا، أبرز خلاصاتها ضرورة دخول النظام الأسدي في حوار جاد مع المعارضة بعد وقف الحل الأمني أو الأصح العسكري. جواب الرئيس بشار الأسد لـشيوخ القومية العربية: ما زال الوقت باكراً لوقف الحل الأمني وبدء الحوار. المشكلة أن الأسد ما زال يعتقد أنه قادر على فرض الحل السياسي على مقاسه وليس على مقاس الشعب السوري وطموحاته.
خيار النظام الأسدي بالتصعيد يواجهه الشارع بالتصعيد. قبل أسابيع اجتاحت القوات العسكرية والأمنية معرة النعمان، الآن تعود هذه القوات إليها. كذلك البوكمال وحماه وحمص. قبل أسابيع كانت دمشق هادئة الآن تنام خائفة بعد غياب الشمس. التنسيقيات تزداد قوة وانتشاراً وخبرة وصلابة في مواجهة الشبيحة والميليشيات العسكرية التي لا يتردد أفراد منها بإطلاق النار مرات عدة على جثة مدني أعزل ثم رفسه أمام العالم. على النظام الأسدي مواجهة الشارع والتنسيقيات ودفع الثمن من رصيده وليس من كيس غيره كما اعتاد.
النظام الأسدي نفسه أصبح وسط تنافس إيراني ـ تركي، بدلاً من أن يكون حليفاً للأول وشريكاً للثاني. رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان فقد الأمل من الرئيس الأسد، يقول علناً الذي يأتي بالدم تأخذه الدماء. وأمام بعض الزوّار العرب قال بالانكليزية: Game is Over اللعبة انتهت رداً على استعداده للحوار مع الأسد.
أما الرئيس أحمدي نجاد والإيرانيين معه فإنهم دخلوا كما يبدو مرحلة فتح الأبواب أمام احتمالات أخرى غير بقاء النظام الأسدي وبالتالي البدائل، جلسات الحوار الأولى مع المعارضة، بدا واضحاً منها أن طهران تريد الاطمئنان الى مستقبل علاقاتها مع دمشق ما بعد الأسد. تعرف طهران أن زمن التحالف الاستراتيجي سينتهي مع نهاية النظام الأسدي. المهم هل ستكون دمشق عضواً في محور آخر معادٍ لها أم أنها ستحافظ على نوع من العلاقات الخاصة، خصوصاً وأن تحرير الجولان سيبقى مسألة معلقة لا يمكن مواجهتها يومياً؟!.
واضح جداً القلق الإيراني من تطورات الوضع في سوريا. الرئيس أحمدي نجاد قدم نصيحة مباشرة للرئيس بشار الأسد، ملخصها:
[ الخيار العسكري ليس الخيار الصائب.
[ الحرية والعدالة واحترام الآخرين حق لكل الشعوب.
[ يجب التعامل مع المشكلات من خلال الحوار.
[ يمكن للدول الأخرى مساعدة الحكومة السورية والشعب على التحاور وحل الخلافات.
الإيرانيون أدركوا أن مشكلة الرئيس الأسد هي مع شعبه وليست مع متطرفين وإرهابيين.. المهم أن يتعامل مع هذا الواقع بواقعية.
إيران تبحث عن البدائل. العراق مركز عملية فتح الأبواب على كل الاحتمالات. العراق جائزة كبرى، كل بلاد فارس كانت تحلم بها منذ قرون طويلة من أجل بقاء القوات الأميركية في العراق فترة سنوات خمس قادمة، تبدو طهران في قلب هذه المفاوضات.
يُقال من باب القراءة الواقعية إن الأميركيين سألوا الإيرانيين ماذا تريدون منّا مقابل بقائنا في العراق بأمن واستقرار. الجواب الإيراني كان: حصة الأسد.
كل شيء ممكن في عالم الواقعية السياسية.
[email protected]

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00