8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

الشباب السوري لن ينتظر جيلاً آخر لإقامة الديموقراطية

يلعب النظام الأسدي على جميع الجبهات، لإنقاذ نفسه من قدره. لا يوجد ممنوع ولا محرم في هذه العملية على الصعيدين الداخلي والخارجي. الأسديون، يرون في مسارات هذا النظام، قوة عظيمة تمنحه البقاء والحضور الى الأبد. كل ما يفعله وطني، لانه يبقي على سوريا الممانعة. تقاطع المصالح والمسارات حتى مع قوى عدوة وظلامية جزء من براعة النظام في استخدام الضد وضده لخدمته، وليس خداعاً واستثماراً ومقايضة بمصائر الأوطان والأمة والشعوب.
بعد ستة أشهر على الانتفاضة، فالثورة، تبدو الأبواب ما زالت مغلقة. النظام الأسدي فشل في وأد الانتفاضة والقضاء على الثورة. والمعارضة ما زالت عينها تقاوم المخرز. دمشق وحلب تقاومان بصمت الانزلاق نحو الشارع من جهة، ومن الانخراط في حملات القمع. المدينتان اللتان تضمان البرجوازية المدينية، وشرائح التجار الذين جيوبهم وطنهم، تخافان الحرب. في جميع الأحوال، ساعة المواجهة تدق أمامهما. المسألة عملية عض على الأصابع. في هذه الأثناء يصعد النظام الأسدي عنفه في الريف السوري، لعل ذلك يكسر إرادة الشارع، فيتراجع ومن ثم يفرض الإصلاحات على قياسه على المجتمع الدولي والعربي. رفض السوريين لها غير مهم. المسار التصعيدي ضد الشارع حيث بلغ عدد القتلى ثلاثة آلاف، والمعتقلين سبعين ألفاً والمفقودين ثلاثة آلاف، يريد النظام الأسدي وضع السوريين ومعهم العرب والمجتمع الدولي أمام احتمالات ثلاثة كل واحد أخطر من الآخر:
* دفع الشارع الى المواجهة المسلحة. الاحباط من سلمية المواجهة يولد اليأس الذي ينفجر في استخدام السلاح. بعض قوى المعارضة تنزلق نحو هذا المستنقع الذي حضّر له النظام الأسدي بقوة، عبر حملته المبرمجة حول وجود قوى سلفية مقاتلة. نجح وليد جنبلاط في إسقاط هذا السلاح عبر نفيه له. لكن نمو العنف واتساعه يصب الماء في طاحونة النظام. أبرز ما ستقدمه هذه الطاحونة الى العالم وخصوصاً العرب مساعدته لفرض الأمن والاستقرار. باختصار القبول باستخدام كل الوسائل العسكرية والقمعية والمعتقلات لانجاح هذا الحل. النظام الأسدي أكبر الخبراء في ذلك منذ مجازر حماه في مطلع الثمانينات.
[ شحن الأقليات بالخوف والمزيد من الخوف، من الأكثرية التي طحنها، وألغاها من السلطة الفعلية. معظم الأقليات وتحديداً معظم المسيحيين يعتقدون ان النظام الأسدي يحميهم. في الواقع رهائن عنده وهم يشكلون خط الدفاع الأول عنه. ببراعة يستثمر مخاوفهم وخوفهم ضد الأغلبية. النظام الأسدي أبرع من استثمر أخذ الرهائن بالجملة والتفاوض عليها. من مصلحة هذه الأقليات خصوصاً المسيحيين أن يخرجوا من خوفهم ويقولوا لا لأنه لا يمكن للذاكرة الشعبية مهما بلغت وطنيتها إلغاء المواقف والأحداث الايجابية والسلبية منها على السواء. من واجب المعارضة طمأنتها فعلاً لا قولاً. ثمن التضحيات اليوم كبير بجميع المقاييس، لكن من المؤكد أن ثمن الصمت أكبر بكثير.
[ الدفع نحو وقوع حرب أهلية، وتحديداً بين السنّة والعلويين. هذا هو خط الدفاع الأخير للنظام الأسدي. هذا الاحتمال مدمر. توجد حالة طائفية. الشحن الطائفي سلاح هذا التحول الى الحرب الأهلية يجب العمل بقوة لمنع الوقوع في هذا المستنقع. المسؤولية مشتركة بين الأغلية السنّية والأقلية العلوية. تتسع سوريا للجميع. لا يستطيع أحد إلغاء أحد. تهميش السنّة في السلطة ساهم في انفجار الثورة. في المستقبل، لا يمكن للسنّة حتى ولو أخذوا السلطة إلغاء أو تهميش العلويين. السلطة شراكة. الديموقراطية تعني التداول.
خارجياً، يحاول النظام الأسدي تحريك الملف الكردي في تركيا. محاولته هذه تتقاطع مع التوجه الإسرائيلي وطموحاته. ليس هذا مهماً. الأهم العمل على ليّ يد تركيا ـ الأردوغانية. أيضاً تحريك الجبهة العراقية عن طريق تأجيج اليأس السنّي ضد الداخل الشيعي. بذلك يتم خلق خندق مع الجوار السنّي السوري، في دير الزور والبوكمال، بدلاً من أن يتوحدوا مع بعضهم البعض. تحريك مجموعات فلسطينية في غزة بالتعاون مع إيران بعد انفصال حماس عن دمشق. التعاون مع الجزائر ودول أفريقية لإنقاذ العقيد الهارب معمر القذافي، لإرباك المجتمعات العربية خصوصاً في سوريا من مستقبل ثورتهم وإشغال المجتمع الدولي بفكفكة الحالة الليبية مما يبعده عن الانشغال والاشتغال بالحالة السورية.
الأخطر استغلال قضية حق في تحقيق باطل. المقصود مصر. حيث أن إسقاط اتفاقية كامب دايفيد مطلباً قومياً مشروعاً. لكن في حالة مصر حالياً، حيث الثورة لم تكتمل، وقوة مصر محدودة بعد ثلاثين عاماً من النفي السياسي، على جميع الأصعدة الاقتصادية والعسكرية والاجتماعية. أيضاً أمام مصر التي تولد من جديد حالة معقدة من الحصار. ليبيا والسودان ومياه النيل وغزة، والمنافسة التركية ـ الإيرانية على قيادة المنطقة في ظل الخطر الإسرائيلي الدائم، كل ذلك يجعل من دفع الشارع المصري نحو المواجهة لإسقاط كامب دايفيد هو بهدف إجبار الجيش المصري على الاستيلاء على السلطة نهائياً طلباً للأمن القومي والاستقرار الوطني. مجرد حصول ذلك يسقط ثورة 25 يناير، المثل والمثال أمام الشعوب العربية، خصوصاً في سوريا.
في مطلع العام، قال الرئيس بشار الأسد في مقابلته الشهيرة مع صحيفة وول ستريت جورنال أكد فيها أن كون سوريا دولة ممانعة فإن الربيع العربي لن يمر بها، السوريون ليسوا مؤهلين للديموقراطية علينا انتظار الجيل المقبل لجلب هذا الإصلاح.
يبدو أن الجيل السوري الحالي، ملّ من انتظار آبائه ولن ينتظر أولاده، ليأخذ حريته ويقيم نظاماً ديموقراطياً تحتمي به كل مكونات الشعب السوري، لا أن تكون فئة حاكمة والآخرون إما محكومين أو محميين ورهائن في الوقت نفسه.
[email protected]

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00