فلسطين، من جديد، في قلب الحدث. العودة تأتي بعد عقود من الأمم المتحدة، وليس من واشنطن، ولا من المقاومة غب الطلب التي تنفذ لخدمة قادة الممانعة ورفع رصيدهم من الملفات التي يفاوضون عليها، وليس لخدمة فلسطين وشعبها. ما سيجري في الأمم المتحدة، هو مواجهة سياسية وديبلوماسية ترقى إلى درجة الحرب دون أن تطلق رصاصة واحدة. لا شك أنّ السلطة الوطنية ستواجه أوقاتاً صعبة. حان الوقت لكي تكشف كل الدول أوراقها على طاولة الأمم المتحدة. لم يعد أخلاقياً ولا منتجاً ولا صحياً، الاختباء وراء التصريحات الرنّانة المليئة بالكلمات، ليس غير الكلمات، التي لا تصنع متى تبخّرت حروفها على نار الواقع سوى المزيد من اليأس القاتل.
منذ وصل بنيامين نتنياهو إلى السلطة وهو يغتال يومياً المفاوضات. الآن يتباكى نتنياهو على المفاوضات ويريد أن يبدأ بها. باراك اوباما الرئيس الأميركي، يريد أصوات اليهود الأميركيين وهو على أبواب الانتخابات، أيضاً ليس لديه ما يفعله سوى إرسال كبير مستشاريه دنيس روس، والمبعوث الخاص للإدارة الأميركية ديفيد هيل إلى المنطقة لإعادة تشغيل محركات قطار المفاوضات. المشكلة ليست في الوقود وإنما في المسار وفي الضمانات. ليس لدى اوباما شيء يقدّمه خصوصاً وأنّ شريكه بنيامين رفض من جديد، تجميد الاستيطان قبل المفاوضات، ممّا دفع رئيس السلطة الوطنية نحو الأمم المتحدة.
لكل دولة في المنطقة، حصّتها من الربيع العربي. الحصّة خارجة من خصوصية أوضاع كل دولة. حتى إسرائيل تعاني من هذا الربيع كما لم تعرف ذلك من قبل منذ عقود. عادت إسرائيل إلى حيث كان يجب أن تبدأ منه، أي الى العالم الثالث بكل تعقيداته. مشكلة إسرائيل، باعترافها أنّه لا يمكنها حتى الآن قياس تداعيات ما يحصل وسيحصل. إسرائيل تعيش حالياً أزمات عدّة في أزمة كبيرة هي المواجهة الخاسرة في الأمم المتحدة. عام 1973 قالت غولدا مائير دلوني أين يوجد الفلسطينيون. عام 2011 للفلسطينيين مقعد في الأمم المتحدة.
لا شيء سينقذ إسرائيل من إعلان مجلس الأمن قبول فلسطين دولة مراقبة إلا الفيتو الأميركي. من جديد تعود واشنطن إلى عين الحدث. فلسطين هي الثقب الأسود الذي يبتلع ويصدّر كل المشاكل إلى العالم، ليس أمام واشنطن وتل أبيب سوى العودة إلى طاولة المفاوضات جدّياً، يجب استباق المواجهة في الأمم المتحدة، بقرار واضح بهذه العودة طلباً لحل وليس لقتل المفاوضات بالمفاوضات.
تواجه إسرائيل حالياً مشاكل في الداخل والخارج معاً. داخلياً، لم يعد الإسرائيليون مستعدين للعيش في مستنقع من القلق والخوف بسبب البطالة وغلاء المعيشة في وقت تُصرَف فيها أموالهم على الأمن وبناء المستوطنات. الإسرائيليون القلقون مقتنعون انّ الدولة آتية فلماذا هذه المستوطنات التي يجب إعادة أراضيها إلى الفلسطينيين. في أفضل الأحوال لن يبقى سوى القليل منها في عملية تبادل واقعية للأراضي.
أما الأسوأ بالنسبة لإسرائيل، انّ الشرق الأوسط الذي يضم أربع دول كبيرة هي تركيا وإيران وإسرائيل ومصر، أضحت بطريقة متفاوتة ثلاثة ضدّ واحد. كانت مصر في سلام بارد مع إسرائيل، وتركيا على تعاون وثيق واستراتيجي، وإيران في مواجهة خطابية نامية، يضاف إليها دعم كل القوى المقاومة مثل حزب الله وحماس والجهاد. في ستة أشهر انقلبت المواقف، إسرائيل تقف وحدها وحيدة، أما الدول الثلاث الاخرى فإنّها وإن لم تكن في جبهة واحدة، فإنّها على الأقل على خصام وانفصال.
في أسبوع واحد خسرت إسرائيل سفيرين. الأول في انقرة والثاني في القاهرة. في دول عربية أخرى يختبئ السفراء أو المبعوثون الإسرائيليون ولا يعلنون كما كانوا يفعلون عن وجودهم.
الإسرائيليون، على الأقل، الذين لا يركبون سفينة نتنياهو ليبرمان منهم، يدركون ويقولون: لو واصلنا سياسة اسحاق رابين لكانت إسرائيل اليوم على غير ما هي عليه الآن. كانت توجد قيادات عربية مستعدة للصلح بشروط متدنية. حتى الرئيس بشار الأسد كان قد أنجز 98 في المئة من الاتفاق برعاية أنقرة، لولا بنيامين نتنياهو وليبرمان. الآنّ كما تبدو الصورة من القاهرة مختلفة جداً. لقد جاءت الديموقراطية على حساب إسرائيل. كلما استعادت الشعوب كرامتها وحرّيتها كلما امتلكت قرارها وأصبحت سيدة مصيرها. هذه الشعوب الحرّة تقول كلمتها في مصر التي بدأت ثورة 25 يناير لأسباب داخلية بحتة انتقلت سفينتها من البحار الاقليمية إلى أعالي البحار حيث فلسطين موجودة على الجهات الأربع، فعلاً لا خطابات ومتاجرة.
ليس أمام إسرائيل ومعها الإدارة الاوبامية سوى العودة على الأقل إلى مبادرة السلام العربية. المفاوضات على قاعدة هذه المبادرة هي خشبة الخلاص لإسرائيل والإدارة الاوبامية. الفيتو الأميركي، حل موقت، الشعوب تفرض مواقفها عاجلاً أم آجلاً. نصف العالم يؤيدون حصول فلسطين على صفة العضوية الكاملة. أحدث الاستطلاعات تقول إنّ 90 في المئة من المصريين وهي أعلى نسبة في العالم يؤيدون هذه الدولة. في تركيا 60 في المئة، في الولايات المتحدة الأميركية 45 في المئة وفي الصين 56 في المئة وفرنسا 54 في المئة والمانيا وبريطانيا 53 في المئة.
انتهى زمن المتاجرة بفلسطين وقضيتها. كل خطابات الممانعة، لا يصدّقها إلاّ الذين اختاروا التعلق بحبال الأوهام على حساب حرية الشعوب واستعادتها لكرامتها ولقرارها.
[email protected]
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.