النظام الأسدي، ومعه جميع الأسديين خصوصاً اللبنانيين منهم، يصرخون عالياً، أن الأزمة مرت. الخسائر محدودة. الرئيس بشار الأسد، أدار المعركة ببراعة ومقدرة وكفاءة، لذا سيكرر الانتصار الذي حققه بعد الحصار الذي فرض عليه منذ العام 2005. ليس أمام النظام الأسدي سوى الانتظار في غرفة استقباله، لتحديد من يستقبل ومن لا يستقبل تبعاً لما يحمله من عروض وطبعاً الاعتذارات. أما المعارضة في الداخل، فإن عليها الانتظار لتحديد الإصلاحات التي ستصاغ على قياس النظام وتنفذ تبعاً لأجندة يضعها النظام الأسدي تؤكد أنه يعطي ولا يفرض عليه شيء.
هذا التفاؤل الأسدي العالي المنسوب، ليس إلا لأن شهر رمضان مرّ رغم كل ما حصل فيه من مواقف وتظاهرات شعبية، لم يسقط النظام كما كان متوقعاً.
الأميركيون اضطروا أخيراً الى الاعتراف بأن النظام ما زال متماسكاً وان آلته الأمنية والعسكرية تظهر قوة غير متوقعة ووحدة لا سابق لها بين كل أنظمة الحزب الواحد والرئيس القائد. التظاهرات في الأسبوعين الأخيرين أصبحت محدودة بعددها وعديد المتظاهرين. أصبحوا برأي النظام الأسدي أقل من 21 ألف متظاهر.
سبب مهم يقف وراء الإعلان الأسدي بالنصر. السبب ليس له علاقة بالقدرات التي نفذتها الآلة الأمنية والعسكرية في قمعها للمدنيين السوريين والتي وصلت قمتها حتى الآن في الجريمة البربرية التي ارتكبت بحق الفتاة زينب الحصني. واشنطن أخطأت في التقدير فانعكس هذا الخطأ ايجابياً على معنويات النظام الأسدي.
واشنطن كانت ترى أن النظام الأسدي سيسقط مع نهاية شهر رمضان أي مطلع تشرين الأول. طبعاً لم يسقط النظام الأسدي. هذا الخطأ الأميركي ليس قاتلاً، لأن واشنطن التي تعتمد دائماً السياسة الواقعية تراجعت وتقاطعت من جديد مع المواقف العربية والإقليمية التي كانت وما زالت ترى أن المواجهة بين النظام الأسدي والمعارضة الشعبية السورية طويلة. واشنطن تتفق الآن مع أبرز العواصم في المنطقة خصوصاً أنقرة والقاهرة انه يجب انتظار الربيع الآتي وربما مطلع صيف 2012 حتى يحل الحسم. الأميركيون اعتقدوا بعكس الأتراك وغيرهم أن الانشقاقات الأمنية والعسكرية ستكون كبيرة مع تصاعد العنف الأمني غير المسبوق. لم يحصل هذا، لأن النظام الاسدي بني وركب طوال أربعة عقود بطريقة ممسوكة. أيضاً ما زالت دمشق وحلب تتمنعان عن التفاعل مع ثورة الحزام الريفي. أيضاً وهو مهم جداً أن استمرار موسكو وبكين على موقفهما المؤيد والداعم للنظام الأسدي عطل ويعطل صدور أي قرار دولي فاعل ومؤثر.
مختلف القوى الدولية والإقليمية راجعت الأوضاع على قاعدة الواقعية السياسية. هذه المراجعة ليست لمصلحة النظام الأسدي. بالعكس باتجاه سدّ الثغرات وتصليب المواقع القوية ضد النظام الأسدي. لذلك يتم حالياً العمل وفقاً لخريطة طريق جديدة تقوم على ثلاثة محاور:
تكثيف كل الجهود لتوحيد المعارضات السورية. تشكيل هيئة أ وطني سوري يتكلم بصوت واحد رغم بقاء التمايزات ضروري وبسرعة. معرفة العالم وطبعاً السوريين والعرب حقيقة الاحجام داخل هذا المجلس مهم جداً. يجب توجيه رسالة الى الداخل خصوصاً أن التغيير لا يعني مطلقاً ضرب أو تهميش الأقليات. عالم ما بعد الربيع العربي، يجب أن يقوم على أخذ كل فئة حقوقها. النظام الديموقراطي الذي من صلبه التداول في السلطة يمنح للجميع أكثرية وأقلية أخذ مواقعها الطبيعية.
العمل لرفع منسوب العقوبات على الصعيدين الأوروبي والأميركي، هذه العقوبات أثبتت حتى الآن أنها مؤثرة وخصوصاً على الاقتصاد السوري. يجب أن تشعر البرجوازية المدينية الدمشقية والحلبية بعمق الأزمة. مادام وطنها في سلامة جيوبها فإنها متى شعرت بالنزف المالي لا بد لها من الانقلاب أولاً على نفسها مقدمة للانحياز الى الشارع والتنسيقيات.
أن أي قرار أممي يصدر لاحقاً، لن يكون تحت سقف الفصل السابع لكي تطمئن موسكو وبكين وحتى دول عربية معنية أن التجربة الليبية لن تتكرر. في حالة واحدة لا يعود مجال للتردد. ارتكاب النظام الأسدي مجزرة كبيرة يغير كل المعادلات.
تحولات مهمة حصلت وأخرى متوقعة على الصعيدين الإقليمي والدولي، أنقرة انحازت نهائياً الى خندق التشدد وعدم التردد لأسباب تتناول أمنها القومي. كان قد ظهر صعوداً وهبوطاً في الخطاب الأردوغاني. هذا الوضع تغير لسببين:
أن محاولة جدية من النظام الأسدي للعب على الملف الكردي وحتى العلوي قد حصل وتركيا كلها موالاة ومعارضة لا تقبل اللعب على أمنها القومي والاستراتيجي ولذلك الأتراك متضامنون متكافلون في هذا الموقف.
أن أنقرة بحاجة لموقف أميركي متفهم ومتكامل معها بخصوص ملف النفط والغاز. تركيا التي نهضت في العقد الأخير بقواها الذاتية وجدت نفسها أمام امتلاك قوة اقتصادية استراتيجية تكفل لها نهضة اقتصادية لا سابق لها.
أيضاً أن موسكو المعارضة في مجلس الأمن أظهرت تحولاً مدروساً في الفترة الأخيرة وهي قبلت باللعب تحت سقف الأمم المتحدة، مجرد عرضها تقديم مشروع قرار مواجه لأي قرار غربي يؤكد ذلك.
موسكو تخشى تكرار التجربة الليبية التي خرجت منها بخسائر ملحوظة.
موسكو بوتين لا تريد الدخول في الحملة الانتخابية وقد خسرت عقودها العسكرية مع ليبيا نهائياً علماً أن قيمتها تصل الى أربعة مليارات ونصف مليار دولار، وهي تسعى لاسترضاء المجلس الانتقالي الليبي للحصول على عقود مالية ونفطية جديدة مع أن هذه القوى وضعت فيتو على روسيا. لم يبق أمام بوتين ـ ميدفيديف سوى استرضاء واشنطن وباريس للحصول على فرصة ذهبية جديدة، من الطبيعي أن تدفع موسكو ثمناً لذلك، الأرجح أن يكون ذلك في مجلس الأمن عند مناقشة أي قرار يتناول سوريا. في جميع الأحوال تحاور المعارضة السورية. الحوار يفتح دوماً الأبواب على مخارج أخرى لم تكن موضوعة مسبقاً.
أمام الشعب السوري مزيد من المواجهات، والآلام والدموع. الدمع هو الأمل.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.