السباق مفتوح بين توحيد المعارضات السورية وصياغة برنامج سياسي واحد ومتكامل من جهة ومن جهة أخرى، محاولة النظام الأسدي ومعه الأسديين من لبنانيين وسوريين، ضرب الثورة والتأكيد على كونها تمرداً مسلحاً يستهدف الخط الممانع والمقاوم في الأمة وسلامة الأقليات خصوصاً المسيحيين منهم، وذلك بالتركيز في عملية مبرمجة على تشويه المعارضة السلمية شعبياً وسياسياً وإعلامياً.
بعد 200 يوم على انتفاضة درعا وتحولها الى ثورة اجتاحت وأشعلت الحزام الدائري لسوريا الجغرافية وحزام الضواحي المحيط بدمشق، تبدو المعارضة وكأنها بدأت تفتح ثغرة كبيرة في الجدار الذي أقيم حولها بفعل عوامل تنسب إليها في حين أن معظمها من فعل الممارسات المنظمة للنظام في تصحير الحياة السياسية في سوريا وتجفيف كل المنابع السياسية الرافدة لها، ذلك أن توحيد المعارضة الخارجية والإعلان من تركيا عن تشكيل المجلس الوطني، بعد أن توحدت تقريباً معارضة الداخل، تُسحب ورقة مهمة من يد النظام الأسدي استثمرها بقوة في كل الخطابات السياسية لنحر المستقبل والأمل بالتركيز على غياب جواب واضح مختصره مَن البديل، وفي الوقت نفسه، العمل على خلق فزاعة السلفيين الذين استقدمهم النظام الأسدي لتصديرهم الى العراق في حملة منظمة شعارها المقاومة وحقيقتها زرع الفتنة والحرب الأهلية، مما أوقع مئات الآلاف من القتلى العراقيين وقلة لا تذكر من الأميركيين. موجات الانتحاريين الذين فتح النظام الأسدي حدوده لهم باتجاه العراق كانت سكيناً في خاصرة الشعب العراقي، وفي الوقت نفسه ورقة مهمة للتفاوض عليها وحولها مع الأميركيين.
النظام الأسدي الذي يثبت أن لا حل لديه سوى الحل الأمني، يتابع تصعيد الموقف حتى ولو أدى الى إشعال حرب أهلية حقيقية. بهذه الحرب يمكنه تحويل قلق الأقليات خصوصاً المسيحيين منهم الى خوف مشروع. بهذا يكون النظام الأسدي استثمر الأقليات خصوصاً المسيحيين منهم في السلم عندما أوهمهم انهم حلفاؤه لأنه نظام علماني في حين انهم ليسوا أكثر من خط دفاع أمامي عنه، وفي الثورة والحرب ان مصيرهم من مصيره، بحيث ان انزلاقهم الى هذا المسار ينهي دورهم الطليعي الذي اكتسبوه طوال عقود وحتى قرون في نهضة الأمة وشعوبها.
استثمار النظام الأسدي للأقليات لا يعادله إلا متاجرته بالبرجوازية المدينية، التي تحالف معها عندما خرج من اشتراكية الدولة الى حالة الانفتاح الاقتصادي. انتج هذا التحالف الاستثماري ثروات خيالية نالت منها البرجوازية المدينية في دمشق وحلب حصة متواضعة لكنها ضخمة بالنسبة لها، خصوصاً بعد جفاف استمر ثلاثة عقود. اليوم تبدو أزمة هذه البرجوازية المدينية ضخمة جداً، فهي عملياً خارج التاريخ لأنها حيّدت نفسها حتى الآن عن حركة الشعب السوري على مدار المدن التي تشكل الحزام الريفي لسوريا. وهي ستدفع الثمن مضاعفاً للحاق بهذه الحركة، لأنها ستعاني أولاً وأساساً من العقوبات الغربية. بهذا سيفرض تفاعلها مع العقوبات على خياراتها السياسية عاجلاً أم آجلاً.
احتضان اسطنبول للمعارضة السورية في الخارج ودفعها للوحدة، لا يعني مطلقاً أن التيار الإسلامي قد تغلب وفرض نفسه. تركيبة المجلس الوطني وتقديم برهان غليون العلماني البيان التأسيسي الذي يؤكد على إقامة دولة مدنية من دون تمييز على أساس القومية أو الجنس أو المعتقد الديني أو السياسي، وهو مجلس منفتح على جميع السوريين الملتزمين بمبادئ الثورة السلمية وأهدافها، يؤكد سقوط الخطاب الأسدي من جهة أنه يزرع الخوف من السلفيين، ومن جهة أخرى يؤكد أن تركيا حاضنة شرعية لكل التيارات والقوى وليس للتيار الإسلامي وحده.
لا شك أن تركيا حسمت موقفها واتجهت نحو القطيعة مع النظام الأسدي، لأسباب تركية من جهة ولأسباب دولية غربية من جهة أخرى. ذلك ان تركيا ـ الأردوغانية بذلت جهوداً ضخمة للمحافظة على علاقاتها مع دمشق والنظام الأسدي. عدم تجاوب هذا النظام مع كل الوساطات والمحاولات الأردوغانية للخروج من صيغة الحل الأمني والدخول في حل سياسي ينتج عنه القبول بنتائج صناديق الاقتراع وبالتالي التداول في السلطة قطع الجسور بينهما. لكن أيضاً تركيا وجدت نفسها في النهاية مندفعة للتحالف مع الموقف الأميركي ـ الأوروبي المتشدد، لأسباب استراتيجية متشابكة مع مصالح اقتصادية أهم بكثير من مصالحها مع سوريا، التي ستبقى مضمونة على المدى الطويل لأن الجوار الجغرافي يفرض هذه الضمانات؛ كما يبدو هنا أن ضمان تركيا لمصالحها في ليبيا ما بعد القذافي، وأيضاً حاجتها لموقف أميركي حيادي على الأقل في الملف النفطي والغازي في البحر المتوسط على ضفاف قبرص، قد لعب دوراً مهماً في الحسم التركي. المصالح تتكلم دائماً أولاً.
كلما نجحت المعارضة السورية في توحيد نفسها وتقديم مشروع سياسي مقبول سورياً ودولياً كلما تسارع انهيار النظام الأسدي.
تشويه النظام الأسدي للثورة لا يعادله سوى تقديم الحل الأمني في صورة وردية تضمن المستقبل السلمي لسوريا الممانعة، في الحالتين لون دماء الشباب يصبغ وحدة مستقبل سوريا الذي يستحقه الشعب السوري مثله مثل باقي كل الشعوب التي اختارت الكرامة والحرية والاستقلال ونجحت.
[email protected]
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.