8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

محاولة لاغتيال الربيع العربي من بوابة مصر

الصدامات بين مجموعات قبطية ووحدات من الجيش المصري في وسط القاهرة، ليست عفوية ولا بريئة. لا يمكن حالياً تحديد المحرّضين والمفتعلين وحتى المنفذين. كثيرون لا يريدون لمصر الخير، ولا لثورة 25 يناير النجاح. أصبح نجاح ثورة 25 يناير همّاً كبيراً للعديد من القوى المصرية ولقوى ودول خارجية بعضها اقليمي وأخرى دولية. لكن كل ذلك لا يعفي المصريين من مسلمين وأقباط ومن إسلاميين وأقباط من المسؤولية. في النهاية النتيجة واحدة، سواء كانت مشاركتهم أو شراكتهم ناتجة من غضب داخلي أو نتيجة لتحريك خارجي، النتيجة هي خراب مصر. الخسارة مشتركة. السؤال لا يعود فقط: لماذا أقدمت هذه القوى والشرائح الاجتماعية على الانتحار؟ وإنما ماذا بعد الانتحار الجماعي ومَنْ هو المستفيد؟
يوجد قرار في مصر خاطئ وباسمه تُرتكب خطايا. القرار يتعلق ببناء الكنائس. في بلد مثل مصر، حيث كل يوم يقوم فيها مسجد لدرجة أنّ القاهرة هي عاصمة المآذن، لا يحق للأقباط بناء كنائس لهم أو حتى ترميم كنائسهم. مهما كانت دوافع تجمّعات قبطية وراء تنشيط بناء كنائس لهم، فإنّه يبقى حقاً مكتسباً تتم معالجته بالقانون. إعطاء الأقباط الحق ببناء كنائسهم حيث هو حق لهم . المجلس الأعلى للقوات المسلحة، قادر على ذلك، رغم كل التعقيدات. متى حصل ذلك، يتم نزع شوكة من خاصرة مصر، وأيضاً مسمار جحا لقوى خارجية لا شغل ولا عمل لها سوى التحريض والفتنة. هذا القرار مقدمة لا بد منها لا بل شرط لكل الحلول. بعد ذلك يمكن التعامل بقوّة مشروعة مع كل أنواع التحريض والتخريب.
يبقى أنّ كل الأسئلة حول هوية المجرمين والمخرّبين مشروعة خصوصاً وأنّ مصر تمر بمرحلة انتقالية صعبة جداً ومعقّدة. الثورة انتصرت لكنها لم تكتمل. قوى كثيرة تريد نحرها، إما للانتقام وإما لأنها تخاف من أن تكون مساراتها مضادة لكل طروحاتها. يمكن الذهاب بعيداً في كل الاتجاهات لتحديد هوية القتلة المفترضين للثورة ولأمن مصر القومي والاستراتيجي. لكن بداية يجب الانطلاق من أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة يتقدم ببطء شديد في معالجة مخلفات المرحلة المباركية، وهو لا يحسم إلا بعد اختبارات وممارسات ميدانية مباشرة. لعل أبرز مظاهر البطء تبدو ظاهرة لكل المصريين، في عدم الإسراع في اقتلاع المباركيين من السلطة. ليس مطلوباً أن تشن حملة اجتثاث واسعة وشاملة لهؤلاء المباركيين حتى لا تقع مظالم ولا تنزلق ثورة 25 يناير إلى مستنقعات الديكتاتورية. لكن كان وما زال مطلوباً اقتلاع بارونات المباركية ووضع أمرائهم ومعاونيهم تحت المراقبة المباشرة وتحويلهم إلى المحاكمة بسرعة. الأهم كان وما زال أن تسرع المحاكم في إصدار أحكامها ضدّ المباركيين حتى يخاف الآخرون. حتى الآن ما زالت فلول المباركيين قادرة على تغيير نتائج الانتخابات القادمة من طريق المشاركة تحت أسماء حزبية عديدة الأعمى يعرف أنّها تجمعهم وتؤطرهم لإنجاز حركة انقلابية شرعية.
لا شك أنّ السلفيين وهم غير الاخوان المسلمين يثيرون الكثير من التخريب والضجيج أكبر من حجمهم. التخريب يخيف، ويضخّم كل الأخطار. يجب تحديد مَنْ يحرّكهم ومَنْ يموّلهم. إنهم خطر قائم على مصر وعلى العالم العربي. خطرهم أنهم يرفضون الآخر الذي ليس منهم، وانهم يريدون إرجاع هذه الأمّة إلى الماضي الذي لا يمكن أن يكون مستقبلاً لأي فرد ولا عائلة ولا شعب. السلفيون الذين يهدمون كنيسة هم أنفسهم الذين لا يريدون الديموقراطية ولا الشراكة ولا الأخوّة في الوطن الواحد. ولا شك في أنّ بعض الإعلام الخارجي خصوصاً الفضائيات تلعب دوراً في نفخ نار السلفيين على مجتمعاتهم، وقد حان الوقت للتعامل معهم بكل ما تجود به الديموقراطية من وسائل قانونية وشرعية لحماية الديموقراطية.
قوى مصرية تخاف من الديموقراطية. يمكن لهذه القوى أن تساهم في تضخيم الأخطار، إما لوأد الانتخابات التي ستحسم مسألة الأحجام أو لأنها ترغب في تمديد سلطة القوات المسلحة والتمهيد لتسليم مجموعة من الضباط السلطة نهائياً، فيتم بذلك وأد ثورة 25 يناير مما يحقّق مصالح قوى داخلية وخصوصاً عربية واقليمية وحتى دولية، بذلك ينحر الربيع العربي بأيد عربية.
يبقى أنّ للخارج دوراً في ما تواجهه مصر، ومحاولة ضربها من خاصرتها الضعيفة. لإسرائيل مصلحة حقيقية ومباشرة في تخريب مصر. خروج مصر من كسل المباركية وتسليمها بأنّ قوّة مصر من ضعفها، يقلق إسرائيل. الإسرائيليون قادرون مع لوبيات أميركية وكنسية أميركية على لعب دور تخريبي. مناداة بعض الأقباط بانفصال جنوب مصر، نتاج مباشر للعب إسرائيل والقوى المسيحية المتصهينة.
أيضاً يجب عدم إغفال دخول قوى اقليمية اخرى للأسف عربية وإسلامية في صبّ الزيت على النار الطائفية في مصر. من مصلحة النظام الأسدي تدعمه مراكز قرار أساسية ومتنفذة في إيران، إرباك مصر، ومنعها من اتخاذ أي موقف مما يجري في سوريا. مصر مدركة لذلك لهذا لم تستقبل اجتماعاً لديها يومي السبت والأحد الماضيين. مسؤولية مصر حتى وهي تمر في مرحلة انتقالية كبيرة جداً في صوغ مسارات التغيير والديموقراطية. كل قرار يُتخذ حالياً في مصر لإبعادها عن حافة الهاوية يتطلب شجاعة وصلابة لا توجد إلا عند الثوار وأصحاب الرؤى المستقبلية.
[email protected]

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00