8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

ليبيا: ماذا بعد القذافي؟

لم يصف ديكتاتور شعبه بـالجرذان كما فعل معمر القذافي، فمات كالجرذان، ليبقى شعبه. مقتل القذافي خبر جيد للجميع، وهو يريح الليبيين وقوى غربية عديدة. الليبيون، تخلصوا من ارتدادات محاكمته. كان يمكن للقذافي تحويل محاكمته الى مسرحية تعمق الشروخ التي حفرها داخل المجتمع الليبي. الدول الغربية، تخلصت من إمكانية كشفه لأسرار لا تريد الكشف عنها. كان يمكنه كشف الصفقات التي عقدها، بعد عودته الى الشرعية الدولية. شركات ضخمة خصوصاً النفطية منها كانت ستقف معه في قفص الاتهام.
شركتا توتال الفرنسية وبريتش بتروليوم استفادتا من الإطلالة على المستقبل، ملفات كثيرة، تضم أسراراً خطيرة، كانت ستُكشف وتضع كثيرين مع القذافي في قفص الاتهام. ختم بالشمع الأحمر على الكثير من الملفات.
الحرب العسكرية انتهت. حرب أخرى بدأت، قاعدتها: ماذا بعد القذافي؟.
الليبيون أقل من سبعة ملايين نسمة، و62 مليار دولار مدخول قومي في عام 2009. تمتلك ليبيا أكبر احتياط نفطي في أفريقيا (حوالى 46,5 مليار برميل)، ومخزون الغاز حوالى 1548 مليار متر مكعب وانتاج سنوي يصل الى 28 مليار متر مكعب. الأصول المجمدة بعد اندلاع ثورة 17 فبراير 110 مليارات دولار. أما الأموال النقدية الموجودة في ليبيا فإنها غير محددة خصوصاً وأنه عثر في إحدى خزائن المصرف المركزي على 23 مليار دولار غير مسجلة. هذا هو قالب الكاتو الذي قد يزيد في أهميته عن القالب العراقي. يمكن الحديث منذ الآن عن إمكانية تسجيل رقم جديد يتجاوز رقم أكبر سرقة في التاريخ وهي سرقة العراق، كل شيء ممكن.
ما يفتح الاحتمال أمام السرقة الكبرى، أن الليبيين أمام تحدٍ ضخم جداً وهو بناء الدولة من الصفر. معمر القذافي ألغى الدولة. الجماهيرية كانت اختراعاً قذافياً لمأسسة القبلية وتفريقها وضرب بعضها ببعض ليسود كما ساد 42 سنة.
يلزم الليبيين شعباً وقيادات فرزتها الحرب، الكثير من الوطنية والأخلاق، للمحافظة على ليبيا أولاً وإعادة بنائها ثانياً. التحدي ضخم جداً، خصوصاً وأن الليبيين موزعين على140 قبيلة وعائلة أبرزها ورفلة (مليون نسمة) وترهونة من هوارة (مليون نسمة) والطوارق والزنتان في جبال نفوسه والعبيديين. الى جانب ذلك توجد المنافسة بين الشرق (بنغازي) والغرب (طرابلس وسرت) التي غذاها القذافي وحولها الى عداء بينهما. الى جانب ذلك توجد القوى المدنية والعسكرية التي ظهرت في الميادين بعد الثورة، وهي تتوزع على: رئيس المجلس الانتقالي الحالي الشيخ مصطفى عبد الجليل، ومحمد جبريل وهو مدني من أبرز الخبراء العرب في التخطيط وهو مصري الهوى ناصري الانتماء ومتزوج من ابنة شعراوي جمعة وزير داخلية عبد الناصر، وعبد الحفيظ غوقة محامي الدفاع عن السجناء الليبيين وهو عملياً ممثل بنغازي، وعلي ترهونة المعروف باسم السيد نفط وسلوى الدغيل وغيرهم.
على الصعيد العسكري، يوجد عبد الحكيم بلحاج من الجماعة الإسلامية الليبية القريب من القاعدة والذي اعتقل سنوات في الولايات المتحدة الأميركية (أعلن براءته من ماضيه) والشيخ محمد علي صلاّبي من الجماعة الإسلامية الليبية، والكولونيل خليفة خفتر الأقرب الى المخابرات الأميركية وهو أمضى كل سنوات المنفى بعد كارثة التشاد في الولايات المتحدة الأميركية. أيضاً وسط كل هذا، فإن الطوارق والأمازغيين قوة صاعدة تريد لنفسها مكاناً تستحقه بعد تهميشها. لذلك يجب توقع حصول مشكلة إذا لم يتم التعامل مع مطالبهم وحقوقهم بجدية.
لا يمكن أن يمر بناء السلطة الجديدة من دون منافسات حادة وحتى صدامية بين مختلف هذه القوى وغيرها. كل واحدة منها تريد حصة لها في السلطة الجديدة خصوصاً وأن بعضها يعتبر أن دوره كان الحاسم في تحقيق الانتصار خصوصاً أهل مصراتة. المفاجآت ستكون عديدة وسقوط رؤوس وصعود أخرى سيكون أمراً طبيعياً وعادياً.
ما يعزز هذا كله أن الصراعات ستكون متداخلة مع المنافسات بين القوى الإقليمية والدولية عربياً، مصر التي لولا غرقها في ثورة 25 يناير للعبت دوراً أكثر حضوراً وفعالية في مسار ثورة 17 فبراير. العلاقات المصرية ـ الليبية مرشحة للنمو، خصوصاً وأن الشرق الليبي المصري الهوى، سيلعب دوراً مهماً في إعادة بناء ليبيا الجديدة بعد تغييبه طويلاً في جماهيرية القذافي.
أما الجزائر فإنها بقيت على وفائها للقذافي ليس حباً به وإنما لأنها على رأس قائمة الربيع العربي في المرحلة القادمة، وهي لا شك تخاف كثيراً العدوى من ليبيا. مصلحة الجزائر ألا تستقر الأوضاع بسرعة في ليبيا حتى تبقى مثالاً سيئاً أمام الجزائريين الممتلئين بالرغبة بالتغيير والمنفتحين على رياح الربيع العربي.
يبقى أن التنافس على المستقبل في ليبيا سيكون ضخماً بين فرنسا وبريطانيا وايطاليا والولايات المتحدة الأميركية. التغيير لا يستقدم هذه الدول. شركاتها النفطية موجودة أصلاً. البكاء على عودة الغرب الى ليبيا، تباكي تماسيح. القذافي دفع المليارات وكرس تقسيم النفط في شركات هذه الدول، القطعة الغربية في قالب الكاتو الليبي هي إعادة إعمار البنى التحتية في ليبيا، بعضها يجب البدء فيه من الصفر لأن القذافي حرم ليبيين كثيرين خصوصاً في الشرق من هذه النعمة ـ الواجب.
وبعضها الآخر تدمر خلال الحرب، ويجب إعادة بنائه بعشرات المليارات. وهي الأكثر إلحاحاً. هنا يأتي دور الدول. على الأرجح فرنسا ستأخذ حصة أساسية، القول إنها ستأخذ 35 في المئة من العقود، طبيعي جداً. كلما نجح الليبيون، في ضبط صعودهم من القاع الى السطح بأقل ضجيج وخسائر ممكنة، كان ذلك أفضل لهم وللربيع العربي.
أمس القذافي. غداً علي عبدالله صالح. وعاجلاً أم آجلاً النظام الأسدي.

[email protected]

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00