23/10/2011، يوم مجيد في تاريخ هذه الأمة. في هذا اليوم سقط معمر القذافي في ليبيا وهو يطلب الرحمة. وفي تونس وقفت طوابير الناخبين بالآلاف، تنتظر دورها، لممارسة حقها بالاقتراع على أول مجلس تأسيسي بعد الثورة. لا شك أن قتل القذافي بالطريقة التي قتل بها ليس مشرفاً ولا بطولة. مهما كان الحقد دفيناً في صدور الليبيين، كان يجب عليهم القفز فوقه والقبض على القذافي حياً لتقديمه الى المحاكمة. لكن من الواضح والمؤكد أن قتله يريح الكثيرين داخل ليبيا وخارجها. مات القذافي، لتدفن معه ملفات وأسرار كثيرة لا شك أنها مربكة ومتعبة لكثيرين لأنها تضع العديد من الأشخاص الذين لهم مواقع ومسؤوليات في قلب المساءلة عن أدوار اضطلعوا بها. كثيرون أفسدوا القذافي بتحويله الى قائد فوق الناس والشبهات، بدوره أفسد القذافي بالمال كثيرين من المسؤولين والقيادات.
الثروة التي كان يقول إنها للشعب، لم تكن في الواقع إلا له ولتخيلاته في الزعامة، تارة باسم الثورات، وتارة أخرى سعياً وراء ملكية ثار عليها في بداية حياته، ثم أصبح عبداً لها تحت مسميات كثيرة آخرها: ملك ملوك أفريقيا.
أمام الليبيين الكثير من حقول الألغام. عليهم تجاوزها وهم يبدأون مسارهم باتجاه بناء الدولة من الصفر. المهمة صعبة جداً ودقيقة. ليبيا اليوم صحراء سياسية ممزقة بتكوينها الجهوي والقبلي، الأهم أيضاً أن قيادات عسكرية ولدت في ميادين القتال، تريد لنفسها موقعاً في السلطة الجديدة.
هذه القيادات تقود عملياً ميليشيات أكدت ولاءاتها لها. ما لم تتشكل الدولة الليبية بسرعة، فإن كل الحروب ممكنة. يجب ألا يستغرب أحد وقوع اغتيالات وحتى اشتباكات ميليشياوية في الأيام القادمة. أيضاً يبدو التيار الإسلامي مستعجلاً لوضع يده على السلطة. من المضحك المبكي أن يكون القرار الأول لرئيس المجلس الانتقالي مصطفى عبد الجليل، إقرار قانون تعدد الزوجات.
لم يستطع انتظار تشكل المجلس التأسيسي لإعلان هذا القرار غير الملحّ اصلاً. ربما هذا القرار هدية صغيرة للحد من أسلمة كل الدولة القادمة في ليبيا. لكنه قرار يفتح شهية الإسلاميين، خصوصاً وأن لهم حضوراً مهماً بين العسكر الجدد. الخطر كبير، لأن أرض شمال أفريقيا خصبة.
تونس، مسألة أخرى، المجتمع المدني له جذوره وحضوره. الحبيب بورقيبة زعيم تاريخي؛ لو لم يغرق في تفاصيل الحروب الصغيرة داخل السلطة، لكان أعطى أكثر بكثير. مهما كانت الخلافات حادة مع البورقيبية، يكفي أن بورقيبة فتح أبواب تونس أمام ترسيخ المجتمع المدني. مشهد الناخبين وهم يقفون في صفوف طويلة للاقتراع يثير الفرح، كما أثار احتراق بوعزيزي الربيع العربي.
أن تأخذ النهضة الإسلامية ثلث الناخبين، لا يشكل خطراً على الثورة والدولة في تونس، هذه التجربة الانتخابية الأولى. اختار التوانسة ممثليهم في المجلس من بين 80 حزباً مشاركاً في الانتخابات، بديلاً عن اختيار مرشحي النظام من الحزب الحاكم. يكفي أن هذه الانتخابات هي مسمار في نعش الحزب الدستوري الحاكم. كما هبّت رياح الربيع العربي من النار المشتعلة في جسد بوعزيزي، تهب رياح اقتلاع الأحزاب الحاكمة والقائدة اليوم من نجاح الانتخابات الأولى في تونس.
اليوم تونس، وغداً مصر. لا خوف أن يأخذ الإسلاميون في مصر أيضاً ثلث الناخبين. حان الوقت لكي يخرج الإسلاميون من السرية الى العلنية. طالما أنهم لن يقفزوا فوراً الى السلطة، فإن من حق المواطنين أن يتعرفوا اليهم والى برامجهم. لا يستطيع الإسلاميون أياً كانت تسمياتهم، أن يقولوا القرآن دستورنا فقط. عليهم أن يقدموا برنامجاً. الشعوب العربية بحاجة الى برامج ومخططات لينهضوا. مصر وتونس تشتركان بحاجتهما الى قطاع السياحة، مصدراً لدخلهما الوطني. انه نفط مصر وتونس وثروتهما. حان الوقت، لمعرفة حقيقة موقف الإسلاميين من شروط وواجبات هذه الثروة. ليس هذا القطاع هو الأساس لكنه مثال على الامتحانات القادمة. يبقى الامتحان الأكبر العلاقة مع الحريات والتعددية، يقال إن هذه التيارات الإسلامية تماثل المرحلة الاربكانية نسبة الى اربكان في تركيا. ما زال أمامهم سنوات طويلة من الممارسة وكسب تأييد المجتمعات لهم لينتقلوا الى المرحلة الأردوغانية. حتى ذلك الزمن، يبقى من واجب القوميين والليبراليين والديموقراطيين أن ينتظموا ليكون لهم حضور يؤهلهم للفوز بثقة الشعوب العربية.
غداة حرب 1982 ضد لبنان والمقاومة الفلسطينية، كنا جمعاً من الصحافيين اللبنانيين والعرب والغربيين في ليبيا. جاء الجميع لأن القذافي أراد لقاءهم والحديث عن الوضع العربي بعد الغزو. انتقل الجميع الى بنغازي. في المطار طال الانتظار، فأخذ الزملاء يتسلّون بتركيب فسيفساء الوضع العربي على أسماء الصحف والمجلات. وكانت النتيجة: الوطن العربي ـ ممزق. الحوادث ـ مستمرة. الديارـ خربانة. الراية ـ منكسة. النداء ـ مبحوح. السفير ـ لم يقدّم أوراق اعتماده بعد. الأنوار ـ مطفأة. النهار ـ معتم. المستقبل ـ غامض. الكفاح العربي ـ مرير. الفجر الجديد (صحيفة ليبية) لم يشرق بعد.
بعد ساعات عدنا الى طرابلس، وأبلغ البعض منا أن القائد معمر القذافي، يقول لكم إن الفجر الجديد أشرق مع ثورة الفاتح. فهم الجميع الرسالة.
اليوم وليس في الفاتح، أشرق الفجر الجديد، الذي مهما كانت الأسئلة والهموم والشكوك والمخاوف حوله كثيرة ومشروعة، فإنه يبقى أفضل بكثير من الفجر الذي أشرق على الوطن العربي قبل أربعة عقود وما بعدها باسم الوحدة والحرية والاشتراكية، وكانت النتيجة تمزيق الوطن العربي الى اقاليم وجمهوريات ومذاهب متناحرة، حيث يرث الأبناء آباءهم فيملكون الثروات والسلاح..والشعوب.
[email protected]
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.