فاجأت الجامعة العربية النظام الأسدي. لم يكن يتوقع حتى في أسوأ كوابيسه أن توافق 18 دولة على هذا القرار التاريخي. على الأقل موافقة مصر والجزائر وسلطنة عُمان وحدها على القرار، تشكّل ضربة لم يعمل النظام الأسدي حسابها. الارتباك كلمة محدودة للموقف السوري. النظام الاسدي أضاع البوصلة. في الليل هاجم الشبيحة السفارات العدوّة وأطلق أوصاف الاستتباع والخيانة على الدول العربية خصوصاً قطر. الى درجة انه يتم تصوير كل ما يجري بأنها حرب سورية ـ قطرية وليست حرباً من النظام ضد الشعب السوري. وفي النهار سارع وليد المعلم المتحفّظ والدقيق في اختيار كلماته هذه المرّة، إلى الدعوة لعقد قمّة عربية، ومؤتمر حوار تحضره معارضة الخارج التي ما زالت تدرج في خانة الخيانة، والقبول بمجيء أي لجنة عربية تضم مراقبين إلى سوريا. دائماً، يأتي قرار النظام الاسدي متأخراً أسابيع عدّة وليس أياماً كما حصل مع زين العابدين ومبارك والقذافي. يعتقد هذا النظام أنّ مناوراته هذه تكسبه مزيداً من الوقت بانتظار انهيار المواقف الدولية خصوصاً في الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا. مهما فعل النظام الاسدي، فإنّه تأخّر عن الصعود في قطار الحل والاستمرار.
قرار الجامعة العربية إضافة إيجابية وفعالة ومنتجة إلى تضحيات الشعب السوري. لذلك من الطبيعي والمفيد قراءة إضافات قرار الجامعة العربية على الحالة السورية أساساً وعلى مستقبل العمل العربي، بدون الدخول في سلم الأولويات، وأبرزها:
[ انه قرار مفصلي في زمن يقف فيه العالم العربي كله أمام تقاطع طرق تاريخية. عملياً صدور قرار تعليق عضوية سوريا بالأغلبية (وهي أغلبية مهمّة لأنّها جمعت 18 دولة من 22 دولة) يخرج الجامعة من قيد الإجماع المكبّل إلى الأغلبيّة المريحة. بهذا تكون الجامعة قد خطت خطوة كبيرة إلى الأمام نحو التطوير، وهي مهمّة طال انتظارها منذ عقود.
[ لم تعد الجامعة العربية خصوصاً إذا ما كان هذا القرار خطوة على مسار طويل، أن تبقى في مقاعد المتفرّجين على الربيع العربي. من الضروري أن تدخل الجامعة زمن هذا الربيع. أيضاً في زمن تتنافس فيه تركيا وإيران كل منهما على طريقته الخارجة من ينابيع التزاماته السياسية والايديولوجية، لا يمكن للجامعة الجمود ومراقبة هذا التنافس الذي لا يلغي دورها فقط بل يلغي صيغة العمل العربي المشترك.
[ لم يعد بإمكان الجامعة العربية عدم الاكتراث أمام الثمن الضخم الذي يدفعه الشعب السوري يومياً منذ ثمانية أشهر. بهذا تكون الجامعة قد خطت خطوة كبيرة للتغيير تحت وطأة الشعوب وفي مقدمته الشعب السوري وليس بطلب من الدول والأنظمة العربية التي في جميع الأحوال لم تستطع النجاح رغم كل الإلحاح والمطالبات بإقرار تغيير ولو محدود، حتى تحوّلت الجامعة إلى جامعة بروتوكولية، قمّتها السنوية الصورة الجامعة للمشاركين.
[ ان دولاً عربية عديدة سيشجعها القرار على تصعيد مواقفها منفردة أو بالتكافل والتضامن، ولذلك يجب توقع مواقف تصعيدية سياسية وعملية. ولا شك أنّ مطالبة الملك عبدالله الثاني للأسد بترك السلطة مؤشر واضح للقرارات العربية القادمة.
[ يشكل القرار رسالة واضحة وقوية للمجتمع الدولي للتحرك بقوة. بهذا يقع لأول مرة نوع من التكافؤ في المبادرة بين العرب والمجتمع الدولي. القرار يضيء الضوء الأخضر من موقع القرار وليس الاستلحاق امام المجتمع الدولي خصوصاً في مجلس الأمن للتحرّك تحت سقف الموقف العربي الرافض لتكرار التجربة الليبية في سوريا. يستطيع مجلس الأمن والعرب استنباط حلول ذكية تتناسب مع الحالة السورية. الطرفان بحاجة إلى قرار من نوع القنبلة الذكية التي تصيب الهدف دون غيره، أي النظام الأسدي دون الشعب السوري الصلب والصابر.
[ الدول الخمس التي وقفت وتقف بطريقة أو أخرى ضد أي قرار يتناول سوريا في مجلس الأمن، ستعاني بلا شك من ترددات القرار العربي. لا يمكن للدول الثلاث الهند والبرازيل وجنوب افريقيا أن تبقى متشدّدة، أمام 18 دولة عربية تقول لا للنظام الأسدي. الصين أيضاً لها مصالح واسعة مع الدول العربية التي وافقت على القرار. اولوية الصين في كل علاقاتها الدولية مصالحها وليس ايديولوجيتها، متى تحركت الصين، لا يمكن لسوريا أن تعاند خصوصاً إذا ما تأكدت أن مصالحها مضمونة.
[ ان تركيا التي فرملت موقفها بعد تدخل عربي لديها بحجة انها لا يمكن أن تقود التغيير في سوريا لأنه يثير حساسية لدى العرب خصوصاً القوميين العرب منهم، وان ما يرفع منسوب هذه الحساسية وجود تنافس إيراني على دورها، يهمش العرب وجوداً ودوراً. الآن سيعود للدور التركي الناشط حرارته خصوصاً وأنه لن يكون وحده وإنما إلى جانب الدور العربي المتحرك.
لم يعد السؤال بعد اليوم هل سيسقط النظام الأسدي؟ السؤال متى وكيف وبأي كلفة على الشعب السوري أن يدفعها. لا شك أنّ الكلفة ستكون عالية جداً خصوصاً وأن العنف السلطوي الذي يمارسه هذا النظام بلا حدود. السؤال الآخر والأهم لأنه يتناول مستقبل سوريا والمنطقة معها وهو: كيف يمكن القضاء على النظام والمحافظة على الدولة السورية بجميع مكوناتها، لأن في ذلك صيانة للبنان والاردن وحتى العراق. من ضمن ذلك صيانة الأقليات والتأكيد لها بأن مستقبلها في سوريا حرّة متحرّرة من نظام كل ما يقوله ويفعله للمحافظة على السلطة.
أمام الشعب السوري، أيام صعبة قادمة، الذين كسروا الخوف منهم وخرجوا إلى الشوارع سيجدون في هذا القرار وفي الخطوات القادمة العربية والدولية دعماً لهم.
حمى الله الشعب السوري مرتين، مرة من النظام الأسدي ومرة من المهمات الملقاة عليه، التي تؤكد يوماً بعد يوم صحة القول ان سوريا هي قلب العروبة النابض.. ويجب أن تبقى.
[email protected]
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.