تعرف باريس، أن ما كان ممكناً ومسموحاً به في ليبيا، غير ممكن وغير مسموح به في سوريا. موقع سوريا الجيوستراتيجي وتعقيداته، يحول حكماً دون تكرار التجربة الليبية. الحل العسكري ممنوع من جانب الحلف الأطلسي. بريطانيا ودول غربية عديدة تشارك باريس هذا الموقف. لا يعني هذا الوعي وهذه الاستحالة أن فرنسا ومعها الغرب سيقفان مكتوفي الأيدي أمام العنف الذي يمارسه النظام الأسدي، بالعكس يوجد وعي ممزوج بتعميم واضح على أن النظام الأسدي يعيش فترة بداية النهاية. الوضع حالياً مرسوم بوضوح. وفيما يضيق الوقت أمام النظام الأسدي، ترى باريس أن لديها ولدى العالم كل الوقت لتخلّص الشعب السوري من النظام. الصورة أصبحت واضحة لباريس ولدول كثيرة منها بريطانيا، التي دخلت متأخرة عن جارتها على الحالة السورية، لكنها كما يبدو تعمل بنشاط وقوة حالياً. الصورة تكاد تكون خريطة طريق تتأكد ثوابتها يوماً بعد يوم. من ذلك:
[ أن الحسم العسكري ليس هو الحل، والأسوأ هو الحرب الأهلية لانها قد تتحول الى بقعة الزيت التي تنتشر بسرعة في النسيج الاجتماعي للمنطقة.
[ أن إنشاء منطقة عازلة في سوريا غير مقبول بمعنى آخر، إن الكلام الذي سرِّب في تركيا عن مثل هكذا خطة لا تلقى ترحيباً، مثل أن التدخل الخارجي يكون على مسؤولية تركيا إذا قامت به وحدها. باختصار، الحل العسكري التركي ولد ميتاً إذا كان ما سرِّب صحيحاً.
[ البريطانيون يعتقدون أن مثل هذا الحل سيثير حساسيات لا داعي لها حتى في أوساط المعارضة السورية، ما يعزز أيضاً عدم قيام منطقة عازلة في الشمال؛ انها لن تؤدي الى حماية المعارضة في حمص وفي ريف دمشق وغيرها من المدن.
[ يجب عدم إضافة العنف الى العنف. أي أن تصعيد المعارضة العسكرية من المنشقين العمل العسكري ليس مفيداً لأن النظام سيستثمره في تأكيد خطابه السياسي حول التدخل الخارجي والدعم المفتوح له.
السؤال الكبير في مواجهة كل هذه اللاءات ما هي أفضل الوسائل والسبل لتحقيق النهاية المطلوبة للنظام الأسدي وما يجري في سوريا نتيجة للسياسة القمعية العمياء والبربرية ضد الشعب السوري؟
التدرج والصعود في المواجهة درجة درجة هو المسار الواقعي والايجابي. قبل ثلاثة أشهر، كان المطلوب غربياً من الرئيس بشار الأسد القيام بإصلاحات. حالياً وصلت المطالبة بصوت عالٍ وحازم بـتنحية الأسد. أيضاً المواجهة تتم بصعود السلم درجة درجة. من ذلك أن:
[ الدعم الكامل للجامعة العربية ومبادرتها.
[ دعم توحيد المعارضة السورية بحيث يكون لها صوت واحد ونهج سياسي واحد وموحد. وقد أبلغت باريس ولندن كل أطياف المعارضة أنها لن تعترف بها قبل ان تتوحد وتصبح جسماً واحداً وصوتاً واحداً. وقد خطت لندن خطوة مهمة أمس، عندما استقبلت السفيرة البريطانية السابقة في بيروت فرانسيس غاي المكلفة حالياً بالملف السوري، في السفارة البريطانية في باريس، وفداً من المعارضة السورية لا يضم المجلس الوطني لأن اللقاء معه ومع معارضين آخرين سيتم لاحقاً في لندن. الوفد الذي ضم حسين كامل وخالد عيسى وريم تركماني وسمير عيطه وآخرين تباحث مع السفيرة غاي وسمع تقريباً ما كان سمعه من المسؤولين الفرنسيين، أي الوحدة ثم الوحدة.
[تشجيع لجنة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة لاتخاذ مبادرات عملية تهدف الى إدانة النظام الأسدي.
ما يشجع باريس وغيرها من الدول الأوروبية والغربية على أن النظام الأسدي يعيش بداية النهاية، رغم استبعاد الحل العسكري، أن الطوق الخارجي يزداد إحكاماً حول النظام. كل يوم يرتفع صوت المجتمع الدولي ضده، ويتم اتخاذ قرارات أشد على صعيد المقاطعة والمحاصرة.
الى ذلك، فإن رفض رفع منسوب العنف من جانب المنشقين من الجيش السوري، لا يعني مطلقاً أن الانشقاقات غير مفيدة أو بلا جدوى، بالعكس فإن ازدياد الانشقاقات وتوزعها على مختلف الوحدات العسكرية يؤكد أمراً مهماً وهو ارتفاع حالة الاعتراض لدى الجنود والضباط للقمع الممارس ضد شعبهم وبالتالي فإنه يؤدي حكماً الى انخفاض نسبة القمع لأن المنشقين يرفضون أساساً تنفيذ الأوامر بالقمع والقتل.
وجود آلان جوبيه في وزارة الخارجية، أعطى للقرارات الفرنسية ثقلاً معنوياً خاصاً، لأنه يمكن الاعتماد على جدية وصلابة الوزير. ولا شك أن الوزير الفرنسي سيرجع من جولته الخليجية التي تبدأ اليوم من الإمارات ومن ثم السعودية وقطر وأخيراً الكويت، وهو أكثر وضوحاً وفهماً للموقف العربي من الملف السوري، مما سيزيد على خريطة الطريق الفرنسية اضافات ضرورية تتناسب مع التطورات السريعة في المنطقة.
أيضاً لا شك أن خيبة أمل الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي من الرئيس بشار الأسد، وتأكده من صحة موقف سلفه الرئيس جاك شيراك منه، يزيد من تصميمه العثور على كافة الطرق والسبل لشدّ خناق الطوق على الأسد وترك مهمة النهاية للشعب السوري، رغم الثمن الباهظ.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.