متابعون عن قرب الوضع الإيراني، كانوا يعتقدون حتى أسابيع قليلة، أن التحذيرات والتهديدات بالحرب على إيران منذ سنوات ليست أكثر من طحن للهواء، يحدث الكثير من الضجيج من دون إنتاج طحين أو كهرباء ولو بقوة شمعة واحدة، أصبحوا مقتنعين اليوم أن الحرب لم تعد مستحيلة، لا بل أنها إصبحت قائمة. أكثر من ذلك يذهب هؤلاء الى أن العد العكسي قد بدأ، وأن توقف الساعة عن الوقت المناسب والمحدد، لن يقع إلا بحصول تطورات مفاجئة جداً، خصوصاً من الجانب الإيراني.
كيف حصل هذا التطور وحتى هذا الانقلاب ولماذا؟
الحرب، بداية، لن تكون شاملة ولا برية. الولايات المتحدة الأميركية لن تكون طرفاً مباشراً، وإنما مساعداً ومكملاً. إسرائيل هي التي تعد لهجوم جوي ضد منشأة نووية إيرانية. يعرف الإسرائيليون أنهم لن يفعلوا أكثر من جز الحشيش في الحقل وأنه سيعود لينبت. الهدف هو رد الفعل النفسي داخل الجتمع الإسرائيلي. لقد صعّدت إسرائيل حملتها ضد القوة النووية الإيرانية الى درجة أنها حوّلتها الى خطر مصيري على الإسرائيليين. لم تعد إسرائيل قادرة على التراجع، خصوصاً وأن كل الحروب التي قامت الحكومات الإسرائيلية بها ضد العرب لم تكن لأنها في خطر وإنما لأنها أوهمت الإسرائيليين بأنهم في خطر، وأصبح من الضروري الذهاب الى الحرب. في عام 1973 التي خدعها الجيش المصري أساساً، هددت عندما شعرت بالخطر فعلاً باللجوء الى السلاح النووي في صحراء سيناء لإحداث الأثر المطلوب. حالياً من الصعب جداً أن تتراجع حكومة بنيامين نتنياهو في مواجهة إيران بعد تصوير النشاط الإيراني بأنه على قاب قوسين من تصنيع السلاح النووي، علماً أن ذلك ليس صحيحاً لأنه ما زال أمام الإيرانيين الكثير من الوقت ومن الخبرات والمعلومات العلمية والتقنية للقفز الى هذه المرحلة.
يتابع المهتمون بالوضع في إيران، أن الإسرائيليين يعتقدون أنه الآن وليس بعد غد يجب توجيه الضربة الجوية ضد المنشأة الإيرانية. ليس بالضرورة تدميرها، وإنما إلحاق خراب كاف لإحداث حرب نفسية وإعلامية فاعلة ومؤثرة، فإن مفاعل تموز العراقي لم يدمر في الغارة الإسرائيلية بل ألحقت به أضرار مؤثرة جرى تفعيلها وتعميقها خلال الحرب الإيرانية العراقية. أما الأسباب الموجبة والإيجابية لتوجيه الضربة الإسرائيلية الى إيران فإن أبرزها من دون أولويات:
[ إن الإدارة الأميركية مشغولة بالانتخابات وهي ستكون مقيّدة أكثر فأكثر، لذلك يمكن للوبي اليهودي وتحت دعوى حملة إسرائيلية منظمة الإيحاء بوجود خطر سلاح نووي إيراني ضد إسرائيل لم تعد العقوبات مجدية ضده ولذلك تم اللجوء الى المبضع العسكري.
[ إن الوضع العام في المنطقة يسمح باستفزاز إيران من دون توقع ردود فعل واسعة. سوريا منشغلة بأوضاعها الداخلية. حماس مشغولة بالتطورات، خصوصاً المصرية وبطبيعة الحال السورية. حزب الله لن ينتحر وينحر لبنان، خصوصاً وأنه إذا دفع باتجاه الحرب فإن لا أحد سيعوّض على اللبنانيين لإعادة بناء ما تهدّم كما حصل عام 2006. العرب يشاركون بالتعويضات في حرب مع إسرائيل وليس من أجل إيران المتهمة حالياً بالتصعيد الى درجة محاولة اغتيال السفير السعودي في واشنطن. أما التهديد بإقفال مضيق هرمز فإنه سيف ذو حدين لأن إيران ستغرق في نفطها الذي لن تستطيع تصديره.
[ لم تعد غياب الفضاءات الجوية والمرور عبرها مشكلة أمام الطيران الإسرائيلي. انسحاب الجيش الأميركي من العراق يفتح الأجواء العراقية لأن الجيش العراقي لا يملك حالياً منظومة رادارية ولا سلاح دفاع جوي قادراً على كشف الطيران الإسرائيلي وعرقلة مروره. سوريا سماءها مكشوفة، وأثبتت العملية ضد ما قيل أنه مشروع مفاعل نووي ذلك. مهما يكن الخطر محدوداً جداً، الباقي قابل لتجاوزه بسرعة ومن دون إعلام مباشر أو غير مباشر. من الواضح أن الانسحاب الأميركي الذي اعتبرته طهران انتصاراً استراتيجياً لها تتحوّل نعمته مع الوقت الى نقمة وسلاح ضدها.
[ الأهم، وهو بيت القصيد، أن الحرب الخفية ضد إيران سواء كانت أميركية أو إسرائيلية أو مشتركة، حققت إصابات مباشرة في الجانب الإيراني. مراجعة عدد العلماء والعاملين في المشاريع النووية والعسكرية معلومة. حرب الفيروس ضد جهاز المعلوماتية الإيراني نجحت وحققت أهدافاً مباشرة.
يبقى، وهو الأهم، أن الانفجار الأخير في مركز قيادة وصناعة الصواريخ، على بعد ستين كلم من طهران، شكّل خطوة مهمة وحتى أساسية في الحرب المزمع شنّها على إيران. استناداً الى المعلومات، فإن الانفجار لم يكن صدفة إذ أن القيادة الإيرانية لسلاح الصواريخ كانت تجري تجربة مهمة على الوقود والصلب يحقق لها قفزة استراتيجية. وبسبب ذلك فإن ضباطاً كباراً وعلماء ومهندسين كانوا يحضرون التجربة وقد قتل عدداً مهماً منهم أبرزهم قائد سلاح الصواريخ الجنرال مقدم. أما الطريقة التي وقع فيها الانفجار الذي أظهرته صور الأقمار الصناعية بقوة انفجار نووي صغير، فإنه جرى قطع الكهرباء عن الدائرة المتضمنة مركز التجارب ومستودعات الصواريخ قبل لحظات من البدء بالتجربة كما جرى التشويش عبر الأقمار الصناعية على كامل جهاز المعلوماتية، في الوقت نفسه، مما يؤشر الى حصول اختراق أمني كشف التاريخ والموعد الدقيق للتجربة. نجاح العملية يؤكد أيضاً الى أي مدى أصبحت الحرب الإلكترونية متقدمة ومنتجة.
يكفي لتقدير أهمية وخطورة الانفجار الذي يمكن وصفه بالكارثي، أنه لأول مرة منذ الثورة لم يلق المرشد آية الله علي خامنئي خطاباً في احتفالات عيد الغدير وحتى إن الرسمي منها ألغي.
أخيراً، فإن المتابعين أنفسهم يرون أن النظام الحالي الذي سيشعر بقوة الضربة مثل عاصفة ربيعية، يمكنه استثمارها داخلياً عبر تصعيد ردة الفعل القومية لدى الإيرانيين ضد الهجوم الجوي. أما كيف سيعالج عجزه فإن نفي ضلوع إسرائيل بالانفجار الخطير الذي وقع في قيادة الصواريخ، يؤشر الى تكبير الحجر لضرب الولايات المتحدة.
المأزق أن الرد العسكري ستكون ردوده غير محدودة المخاطر والسكوت عن الهجوم سيجعل من إيران نمر من ورق. في الحالتين، الوضع خطير، خصوصاً إذا ما أضيفت ردوده الى الربيع العربي، عندئذ فإنه سيحدث زلزالاً بقوة تسع درجات.
[email protected]
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.