صعب جداً هضم زحف الاخوان المسلمين على السلطة في تونس والمغرب ومصر وغداً ليبيا وبعد غد اليمن وحتى سوريا، والحبل على الجرار. لكن هكذا أنظمة قمعية، ينتج سقوطها المدوي هكذا قوى سياسية بديلة. في جميع الأحوال، طالما أنّ الاخوان المسلمين، يأتون إلى السلطة عبر صناديق الاقتراع وليس بالانقلاب العسكري ولا السلاح، فإنّه يجب القبول بنتائج الاختيار الشعبي. تصحير الحياة السياسية، وتحويل الاخوان المسلمين إلى مستودعّ لعجز الأنظمة وممارساتها ووضعها في موضع المظلوم. إجمالاً الشعوب العربية تحضن المظلوم حتى ولو كان على خطأ، وترفض الظالم ولو إلى حين.
يأتي الاخوان المسلمين إلى السلطة بفعل الربيع العربي، ولكن ايضاً لأنّهم القوّة الأكثر تنظيماً والتزاماً. يبقى أنّ السلطة من السجون والمنافي أمرٌ، وممارساتها وتنفيذ شروطها وواجباتها أمرٌ آخر. الشعوب التي تقترع لـ لإخوان المسلمين اليوم وغداً تريد حلولاً لمشاكلها القديمة والجديدة. تريد الحريات والكرامة والخبز بعرق الجبين، أي سياسة اقتصادية مبرمجة ومنتجة للشرائح الاجتماعية الواسعة خصوصاً الفقيرة والمهمّشة منها. الإسلام هو الحل، شعار جميل جذب الشباب في زمن التصحير. أما في زمن استلام السلطة أو المشاركة فيها بقوّة، فإنّ السياسة ممارسة يومية في جميع المجالات خصوصاً الاقتصادية منها. أيضاً وهو الأهم، أنّ الشعوب العربية التي تعيش على وقع الربيع العربي، لا يمكنها القبول بأنظمة شمولية مهما كانت الدوافع أو المغريات. لقد ذُلَّت هذه الشعوب وقُهِرت وهُمِّشت طوال عقود من أنظمة شمولية وقمعية ما يكفي لرفض السقوط في تجربة جديدة حتى ولو كانت كلفة هذا الرفض ربيعاً أكثر دموية وعنفاً من الحالي.
فشل المرحلة القومية، نتيجة لممارسات الأحزاب القومية وقواها، فتح الأبواب على مصراعيها أمام الاخوان المسلمين مهما اختلفت أو تنوّعت أسماؤهم. المشكلة مع هذه الأحزاب وأولها البعث وحتى الناصرية، رغم كل الانجازات التي قام بها جمال عبدالناصر، أنها سلمت خيارها لـالعسكر مثل الرئيس حافظ الأسد وأشباه العسكر مثل الرئيس الراحل صدام حسين. المواطن العربي لا يعنيه بعد أربعين عاماً وأكثر من هذه الأنظمة أن يقول الحزبيون الملتزمون انهم لم يمارسوا السلطة، وأن العسكر والأمن قد أمسكوا بالسلطة حتى خنقوها بأيديهم. في الأساس كان على هؤلاء الحزبيين ومنهم الكثير من الملتزمين والمخلصين فعلاً ألا يدعوا العسكر يتسلم القيادة في الأحزاب طلباً منهم للسلطة. لولا جوعهم وحتى شراهتهم للسلطة لكانوا استمروا في النضال حتى أصبحوا أغلبية شرعية تعرف ماذا تعني القومية وما هو مشروع القوميين العرب على مختلف ميولهم. لجوء هذه الأحزاب والقوى إلى الانقلابات العسكرية أوصل الشعوب العربية إلى خيار الإسلاميين. ستكون التجربة صعبة جداً. من المهم رؤية كيف سيتعامل هؤلاء القادمون إلى السلطة، هل بعقلية الجائع لها بأي ثمن أم بعقلية مشابهة للأردوغانيين في تركيا؟، أي العمل للحصول على الأغلبية الشعبية والقبول بثقتها له أو رفضها له غداً.
المسألة الأخرى المهمة، أن الأنظمة العربية التي تحولت شيئاً فشيئاً إلى جمهوركيات أي مزيج من الجمهورية والملكية، لم تلغِ الديموقراطية فقط وإنما ألغت التوازنات الاجتماعية والمذهبية والعرقية. في هذه الدول تحكمت الأقلية في الأكثرية إلى درجة إبعادها عن السلطة فعلاً وتهميش دورها وجعل مشاركتها رمزية أو فولكلورية، وفي دول أخرى هَمّشت الأكثرية الاقليات من دون الأخذ في الاعتبار أن السلطة لا تستقيم إلا بتحقيق توازن ثابت وحقيقي بين مكوّنات المجتمع، طالما أنها ما زالت بعيدة عن ممارسة الديموقراطية بأرقى أشكالها بعيداً عن العائلة والقبيلة والمذهب والدين. من دون الدخول في التفاصيل والتسميات، لم يعد مقبولاً بالمطلق الاستمرار في هذا الاستثناء الذي أنتج كل أنواع الظلم والرفض وصولاً إلى التطرّف وحتى الإرهاب.
يبقى أنّ النظام الأسدي، الذي هو نتاج انقلاب عسكري تسنّى له قائد مميز مثل حافظ الأسد، قد شاخ، وأنه وهو يعيش شيخوخته بقي متمسكاً بكل سلبياته على أساس أنها قوته ونفوذه.
الذي تابع وزير الخارجية السوري، تأكد أنه معلم من قلب النظام في الهروب إلى الأمام وتجاهُل عامل الوقت إلى درجة أنه يلاحقه بدلاً من ان يلحق به كما في الماضي. من خلال كلام الوزير وليد المعلم، يبدو واضحاً ان النظام الأسدي يعاني أزمة حقيقية لا يعرف كيف يواجهها ويعالجها، رغم أنه رأس محور نظام الممانعة ضدّ الولايات المتحدة الذي تتزعمه روسيا، علماً أن موسكو لا تدّعي هذا الشرف. وان على العرب أن يتراجعوا وليس النظام الأسدي. يتوضح من كل ذلك، ان قرارات الجامعة العربية التي لم تكن تساوي قيمة الحبر الذي كُتب به أصبحت إعلان حرب اقتصادية، على اقتصادها القوي رغم أنه أصبح ضعيفاً وهشاً إلى حد كبير، والقادم أعظم.
أمام هكذا نظام وهكذا دفاع، يصبح القبول بنتائج الربيع العربي - مهما كانت قاسية أو غير مرغوبة - مقبولاً. المهم ألا ينجح النظام الأسدي بإشعال الحرب الأهلية، إذ من الواضح أنه عمل ويعمل من أجل إشعالها يساعده في ذلك بعض السلفيين أو المقموعين الذين انزلقوا في مسار الانتقام والثأر.
حان الوقت لكي تتوحّد المعارضات السورية، لأنّ في وحدتها إسقاطاً لمحاولة النظام إشعال الحرب الأهلية واعتراف العالم بها ممثلة شرعية وحيدة للشعب السوري، وفتح الباب على مصراعيه أمام التغيير الملحّ والضروري.
[email protected]
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.