8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

النظام الأسدي فوّض الى موسكو عملية إنقاذه

موسكو تقود المعركة في دمشق ومنها هذا ما يؤكده بعض العارفين بشؤون النظام الأسدي وشجونه. بعيداً عن الآراء والمواقف من هذا العنوان الكبير، الذي يحمل تحولاً روسياً على الصعيد الاستراتيجي من جهة، وتأكيداً لضعف النظام الأسدي الى درجة تسليمه لروسيا أمور إدارة أزمته من جهة أخرى، فإن كل هذا يؤشر الى عودة الدب الروسي مباشرة الى الضفة الساخنة من حوض البحر الأبيض المتوسط. هذه العودة، لم تكن لتحصل لو لم يثبت النظام الأسدي كما يؤكد العارفون أنفسهم غباءه وفشله طوال الأشهر الثمانية الماضية. كان باستطاعته إنقاذ نفسه ومعه سوريا من حمام الدم منذ اليوم الأول لحادثة درعا. بدلاً من إرضاء العشائر أذلهم وحمى الرئيس بشار الأسد ابن خالته المسؤول المباشر عن الكارثة. لكن يبقى السؤال الكبير: لماذا غطس الدب الروسي في المغطس السوري وهو يعلم الكلفة الباهظة لهذا التدخل، وأيضاً بضخامة الخسارة في حال سقوط النظام الأسدي رغم كل جهوده؟
العارفون العائدون من دمشق ينقلون عن مصادر روسية قولها، ان الأميركيين لم يقولوا بسقوط الأسد أمام المسؤولين الروس. بدلاً من ذلك عرضوا عليهم مشروعاً لتقسيم سوريا الى ثلاث دول: سنية وعلوية وكردية. رد موسكو فوراً وبدون تردد كان رفض هكذا مشروع، سيطال تركيا ومن ثم يصل الى موسكو والجمهوريات الإسلامية في الاتحاد السوفياتي سابقاً.
بعد الرفض، جاء دور العمل. فشل آلة الحل الأمني الأسدية، تأكد شهراً بعد شهر نتيجة لفقر في المواجهة على جميع الأصعدة. موسكو أزاحت ديناصورات النظام الأسدي وضباطه عن التخطيط والمتابعة، وتسلمت عبر ضباط وخبراء روس الأرض بكل ما عليها. أي: المواجهات العسكرية خصوصاً ضد السلفيين والمجموعات الأخرى والمنشقين العاملين في الجيش السوري الحرّ، وأيضاً القضايا الأمنية من جهة التخطيط والرصد والتنفيذ من ضباط مخابرات روس مجربين، والحرب الالكترونية تتعلق بالاتصالات بأنواعها السلكية واللاسلكية والالكترونية، حتى الجانب الديبلوماسي وضع الدب الروسي يده عليه إذ انه خطط ويخطط كل الاتصالات والمخاطبات الالكترونية. وتستخدم موسكو كل خبراتها ووسائلها بما فيها الأقمار الصناعية في هذه الحرب الشاملة.
باختصار بعد ان تحولت سوريا الى ملعب أصبح الروس هم الإداريون والمدربون والموجهون والمخططون.
لم يتول الروس الإدارة، قبل فرض شروطهم على النظام الأسدي. من أبرز الشروط التي وضعت وقبل النظام تنفيذها:
* القبول بالمبادرة العربية حتى لا تعود معبراً الى التدويل. ويبدو الفشل هنا واضحاً لأن النظام الأسدي حاول أن يلعب على الوقت بمزيد من المناورة معتبراً ما قيل له علناً حول رفض هذه اللعبة عربياً مجرد كلام ليل يمحوه النهار، في حين اثبتت الأيام المتسارعة ان الدول العربية هذه المرة جدية.
* طلبت موسكو من النظام الأسدي أن يقبل حزب الله تمويل المحكمة، لأنَ الوضع لا يتحمل فتح معركة اضافية حتى ولو كانت في لبنان. وقد نفذ النظام بسرعة هذا الطلب، فأبلغه لـحزب الله الذي قبل بالحل الميقاتي ضمناً وفوراً.
* تنفيذ إصلاحات سريعة، لأنّ الرئيس بشار الأسد ليس لديه ما يقدمه سوى الإصلاحات، ونجاحه في هذه المهمة سريعاً هو الذي سيفتح الباب أمامه للبقاء ولو دون أنياب النظام ومخالبه. لذلك فإنّ الدستور الجديد لن يكون فيه المادة الثامنة بـالبعث قائداً، التي كان قد رفضها في السابق. أيضاً فإنّ الرئيس الأسد سيكلف رئيساً جديداً للوزراء بعد الانتخابات المحلية وقبل نهاية هذا العام. موسكو تريد رئيس الوزراء من قيادات المعارضة في الداخل. إلى جانب ذلك يتم تسمية خمسة وربما أكثر من المعارضة يتولون وزارات مهمة وليست سيادية أي الدفاع والخارجية والداخلية. وتبدو موسكو مستعجلة جداً في تنفيذ الأسد الخطوات الاصلاحية الملموسة دون تردد، حتى تنتهي الأزمة ويستتب الوضع قبل نهاية آذار المقبل.
موسكو كما يقول العارفون العائدون من دمشق، تدرك جيداً أن هذا التصعيد يعني انخراطها ضمناً في محور مع إيران لانقاذ الرئيس الأسد ومعه النظام الذي سيتم إصلاحه، وأن هذا التحالف يعني عملياً الوقوف في وجه محور مضاد يضم واشنطن وباريس ولندن وأنقرة إلى جانب الدول العربية التي أكدت وقوفها ضد كل ما يقوم به النظام الأسدي في سوريا. المواجهة بين المحورين مصيرية، عدم الفوز فيها يعني انكفاء الدب الروسي عقداً وربما عقوداً أخرى إلى داخل أسوار الكرملين.
لم يقف الانخراط الروسي في الازمة السورية عند حدود تولي ضباط عسكريين وامنيين الى جانب استخدام كل الوسائل الحديثة بما فيها الأقمار الصناعية، بل تجاوزه إلى حد توجيه رسائل ميدانية إلى الأميركيين.
موسكو وجهت رسائل علنية الى الغرب وتحديداً إلى واشنطن بأنها مستعدة للذهاب بعيداً وصولاً إلى ما يشبه الحرب الباردة، لأنه ليس لديها ما تخسره أكثر إذا خسرت هذه المعركة. في وجه الاعلان عن تقدم سفن أميركية في البحر الأبيض المتوسط حركت موسكو سفناً حربية عديدة استقرت في ميناء طرطوس حيث لها وجود منظم ومتفق عليه من فترة طويلة مع دمشق، كما اعلنت فجأة تقديمها منظومة صواريخ أرض بحر من نوع باخوت ولا تملكها إلا دول الاتحاد الروسي. أخيراً وهو الأخطر ان المخابرات الروسية كانت شريكة مباشرة في كشف مجموعات المخابرات الأميركية المركزية في كل من لبنان (27 عميلاً) ودمشق (17 عميلاً) وطهران (12 عميلاً) مما شكل زلزالاً في واشنطن.
رغم الاعتقاد الكامل الى درجة التأكيد من القادمين من دمشق بنجاح التدخل الروسي الذي سيفتح أمامه منطقة الشرق الاوسط من جديد بعد أن غاب عنها عقدين من الزمن، يبقى أخيراً ان وصول رياح الربيع العربي إلى طهران سيؤدي إلى كارثة.
[email protected]

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00