سوريا، أصبحت مشكلة إيرانية داخلية. العراق في عزّ أزماته لم يحتل في إيران المكان الذي تحتله التطورات السورية حالياً. التطورات في العراق، كانت دائماً تسير باتجاه تحقيق إيران نسبة إضافية جديدة على فائض قوتها فيه. في سوريا، العكس هو الصحيح. أي خسارة تقع فيها، هي إضافة جديدة الى الخسائر التي تتراكم يومياً، وارتفاع ملحوظ لمنسوب الهزيمة الكبيرة.
الإجماع واضح وعلني على مختلف المستويات في إيران أن سقوط النظام الأسدي في سوريا، أو حتى حصول تغيير عميق في بنيته وتركيبته، يشكل خسارة استراتيجية للسياسة الإيرانية. لقد جرى نسج الاستراتيجية الإيرانية في منطقة الشرق الأوسط على أساس وجود ضلع أساسي ومحوري فيها هو التحالف مع سوريا، والعلاقة الأبوية مع حزب الله والأخوية مع حماس. هذا النسيج هو الذي أوصل إيران الى ضفاف البحر المتوسط، وجعلها دولة حدودية مع القضية الفلسطينية.
هذا الاتفاق الشامل للإيرانيين حول سوريا ومستقبلها، غير وارد في الرد على السؤال الآخر وهو: ما العمل في مواجهة ما يحصل؟ الشرخ كبير على الصعيدين الرسمي والشعبي حول السياسة التي يجب اتباعها وتنفيذها أمام العقدة السورية. الدولة الإيرانية منقسمة بعمق. بعض أسباب الانقسام تعود الى حيثيات داخلية بحتة. التباعد الحاصل بين الأب والإبن أي بين المرشد آية الله علي خامنئي والرئيس أحمدي نجاد، تفاعل أيضاً على مسارات السياسة الخارجية الإيرانية. المرشد يرى أن سقوط النظام الأسدي يلحق هزيمة حقيقية وعميقة بالسياسة الإيرانية، خصوصاً ما يتعلق بكسر القوس الشيعي في حلقته المهمة سوريا. سقوط الرئيس الأسد هو سقوط للنظام أيضاً. البديل دعم الأسد ونظامه بكل ما أوتيت إيران من قوة مالية واقتصادية وأمنية. لذلك دعمت إيران النظام مالياً بمبلغ يتراوح بين مليار ونصف مليار دولار وستة مليارات دولار. الدعم أيضاً يتم بفتح القنوات المالية والمصرفية التي تعتمدها إيران للالتفاف على العقوبات الاقتصادية أمام سوريا. طهران طلبت وبغداد نفذت تقديم أقصى ما يمكنها من الدعم المالي الذي وصل الى 1200 مليون دولار. كذلك إقفال الحدود في وجه المعارضة السورية حتى الآن.
[ الرئيس أحمدي نجاد، يوافق على توصيف نتائج سقوط النظام الأسدي بالخسارة الاستراتيجية، لكنه يرى وجوب فتح نوافذ لإبقاء الجسور ممدودة باتجاه كل الاحتمالات. لذلك يرى وجوب إجراء اتصالات مع المعارضة السورية لمنع خلق جو عدائي مستقبلي يؤدي فيما لو سقط النظام الأسدي الى تراكم العداء مع البدائل.
[ للثورة في سوريا شعبية كبيرة لدى المعارضة الإيرانية، خصوصاً الخضراء منها، لذلك تلاحق تطورات الوضع فيها وهي تراهن على سقوط النظام والرئيس بشار الأسد، وترى أن مثل هذا التطور سيضعف النظام الإيراني في الداخل ويفتح ثغرة فيه يمكنها من المرور عبرها والقيام بانتفاضة جديدة.
المهم أن النظام بجناحيه يرى الأمر نفسه. أي تغيير يحصل في سوريا سيشجع على الانتفاضة من جديد. الخطر الكبير أن تضطر السلطات هذه المرة الى استخدام السلاح مما يفتح أبواب إيران المحاصرة من الغرب أمام حمّام دم لا يريده أحد. القلق حقيقي أن تقع الانتخابات في إيران والأزمة مفتوحة في سوريا. أي خلل في هذا الامتحان الدقيق قد يحوّل رياح الربيع العربي إلى عاصفة ربيعية إيرانية.
رغم الموقف المتشدد للمرشد آية الله علي خامنئي حول سوريا والثورة فيها، فإنه يجد نفسه والنظام معه أمام مأزق سياسي حقيقي. في الوقت الذي يقول فيه إن الربيع العربي أنتج ايرانات عديدة سواء في مصر أو تونس، فإنه في السياق نفسه يقف ضد إنتاج سوريا - إيران جديدة. أبعد من ذلك، كيف يمكن أن يمد يده الى النهضة في تونس، والاخوان المسلمين في مصر، والاخوان في ليبيا ويقف ضد الاخوان المسلمين في سوريا وهو الخبير في تنظيم الاخوان المسلمين لأن دراسته للحصول على لقب حجة الإسلام والمسلمين كانت حول الاخوان المسلمين وسيد قطب. يعلم المرشد أن التنظيم واحد وان كانت له مسميات مختلفة أو قيادات مختلفة. لذلك جرى أكثر من اتصال مع الاخوان المسلمين في سوريا، لكن حتى الآن لم تنجح لأن الشرط الاخواني الأول هو أن تقطع إيران علاقاتها مع النظام الأسدي في وقت لا توجد فيه أي ضمانات مستقبلية حول طبيعة العلاقات بين طهران ودمشق. من الواضح على الأقل أن زمن الزواج الكاثوليكي بينهما تنتهي مفاعيله مع التغيير، والعلاقة المستقبلية غامضة.
سؤال أخير: الى أين يصل تشدد المرشد وهو الذي يملك الكلمة الفصل في القرار؟
الدعم غير المحدود الإيراني للنظام الأسدي يقف عند حدود الدخول في المواجهة المسلحة. إيران لا تدخل من أجل أحد في حرب مع أحد، خصوصاً مع تركيا ـ الأطلسية التي لها معها علاقات معقدة جداً تتداخل فيها الجغرافيا مع التاريخ مع الاختراق المذهبي. إيران تعتمد سياسة الدفاع من موقع الهجوم. موقفها من سوريا دفاعي ووقائي. مهما بلغت مغريات فائض القوة فإنها تقف أمام خط أحمر هو: إيران أولاً.
[email protected]
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.