رسالة الصواريخ في الجنوب، ما زالت من نوع الكارت بوستال كما يقول مسؤول لبناني بارز. المهم ألاّ تتحول الى رسائل من العيار الثقيل، بحيث تقلب الطاولة وتشعل الجنوب أولاً. إتهام وزير الخارجية الفرنسي آلان جوبيه سوريا بإرسال هذه الرسائل خطير جداً. لم يسبق أن رفعت باريس أو أي دولة مشاركة بقوات الأمم المتحدة سقف الاتهامات الى هذا المستوى. جوبيه ليس وزيراً خفيفاً حتى لا يؤخذ كلامه على محمل الجد. منذ زمن طويل يوصف جوبيه في باريس بأنه الحاسوب المحمول بين كل السياسيين الذين عرفتهم الحياة السياسية الفرنسية. السؤال ماذا يبقى للديبلوماسية الفرنسية أن تفعله بعد توجيه هذا الاتهام وبعد أن أرفقته بإنذارآخر من العيار الثقيل مفاده: نحن باقون في قوات الأمم المتحدة في جنوب لبنان. أي إفعلوا ما شئتم!
الفرنسيون، ليس لديهم أدلة على السوري، لكن لديهمقناعة نابعة من تهديدات سبق وأن وصلتهم بدون تشفير رداً على انخراطهم العلني والحاد والعميق ضد النظام السوري. سؤال آخر: هل هذا التحدي الفرنسي العلني هو لدفع النظام الأسدي نحو الانزلاق أكثر فأكثر في مواجهة علنية لتحويلها الى مواجهة مع المجتمع الدولي كله داخل مجلس الأمن، فيتمّ حشر روسيا والصين في الزاوية لانه ليس مقبولاً بأي صيغة من الصيغ تعريض قوات الأمم المتحدة للخطر؟؟. فرنسا لها حصة الأسد في قوات اليونيفيل، من أصل 13000 جندي ينتمون الى 34 دولة، 1300 منهم فرنسيون. التحدي كبير جداً. فرنسا خسرت منذ تشكيل اليونيفيل عام 1978 وحتى الآن 58 جندياً، وهي طبعاً ليست مستعدة لخسارة عدد مماثل. لكنها أيضاً لن تستسلم بسهولة، ولن ترحل هذه القوات عند أول صاروخ من العيار الثقيل.
السؤال الأساسي بعد الموقف الفرنسي، ما هو موقف حزب الله؟ ساعة الحقيقة تقترب بسرعة. براءته من هكذا رسائل لا تعفيه من المسؤولية، خصوصاً أمام الجنوبيين. إنسحاب اليونيفيل غداً أو بعد غد تحت وطأة التهديدات والتفجيرات يعرّض الجنوب والجنوبيين للعودة الى المربّع الأول حيث مقابل كل صاروخ أكثر من غارة. بنيامين نتنياهو وكل المتطرفين الإسرائيليين سيكونون سعيدين بالعودة الى التصعيد وحتى الحرب. في وقتٍ العالم عاجز فيه عن الوقوف في وجه التطرف من جهة، والانشغال العربي بثورات الربيع العربي، يسمح لإسرائيل بالاحتلال والتهجير. الدليل ما يجري في الضفة الغربية، حيث تتراجع يوماً بعد يوم إمكانات تشكيل دولة فلسطينية نتيجة لزحف المستوطنات والمستوطنين. الأخطر ان الجنوبيين سيكتشفون ان الصناديق العربية مقفلة، وان المال الحلال نادر جداً للتعويض عليهم وبناء ما تهدّم. مهما كان الالتزام السياسي فإنّ العيش في العراء دون أمل ولا تضامن يصبح مصنعاً، للإحباط واليأس. فهل حزب الله مستعد لمثل هذه المغامرة؟ وماذا سيفعل لتجنب هكذا انزلاق مصيري؟ لبنان يستحق ربيعاً غنياً بالاستثمارات وليس بالدمار. لقد سبق أن دفع الضريبة غالياً، وتحرير فلسطين ليس مهمته وحده، وإن كان يبقى قضيته.
النظام الأسدي ليس لديه خيارات عديدة، لأنه يخوض معركة حياة أو موت. تهديداته بإحراق المنطقة لأن النار قابلة للامتداد خارج الحدود السورية إلى لبنان والاردن والعراق وتركيا والعالم، حمّالة أوجه. ما يساعد النظام الأسدي على هذه التهديدات شعوره بعدم قدرة الدول العربية على لوي ذراعه. قرار العقوبات الاقتصادية تحوّل عند التنفيذ إلى قالب جبنة فرنسي من نوع غرويير حيث الفراغات فيه أكثر عدداً من الدوائر المليئة. الدليل ان الدول الحدودية الثلاث: لبنان والاردن والعراق ليست مستعدة ولا قادرة على تنفيذ العقوبات. ايضاً الغرب كله غير قادر على إقناع روسيا والصين ولا الضغط عليهما لتغيير موقفهما وتجميد دعمهما له. أما إيران فحدِّث ولا حرج عن دعمها المفتوح على كل المجالات، لأن سوريا ليست مجرد حليفة، وإنما هي حاجة استراتيجية لها. أخيراً حتى تركيا التي صعّدت حتى قال الجميع إنها تستعد للحرب تراجعت وأجرت حساباتها، فوجدت انها غير قادرة على المواجهة الشاملة.
العقدة في كل ما يجري، ان النظام الأسدي يتصرف دائماً على قاعدة أنه يواجه مؤامرة دولية ضده انخرط فيها بعض العرب وتركيا، وانه قادر على الممانعة والمقاومة حتى النصر ورجوع كل دول العالم إليه ومراجعتها وتراجعها عن مواقفها العدائية منه، في حين ان مشكلة هذا النظام هي مع الشعب السوري. كما يراهن على الوقت للانتصار فإنّ الآخرين بمن فيهم السوريون يراهنون على الوقت لكسر إرادتهم وتحويل المتغيرات إلى رياح تكسر كل الأشرعة التي تبحر عكس وجهتها.
[email protected]
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.