قبل ان يجف حبر مشروع القرار الروسي في مجلس الأمن حول سوريا، صرخ الأسديون بأن الأزمة انتهت، والحل أصبح جاهزاً على المستويين الدولي والإقليمي. خلاصة هذا الحل على المستوى السوري أولاً والإقليمي والدولي ثانياً:
[ يتوقف العنف المتبادل في سوريا.
[ يبدأ النظام بتنفيذ أجندة الإصلاحات التي يقول بها منذ 11 عاماً والتي أكثر الحديث عنها خلال الأشهر التسعة الماضية. وأبرزها، إلغاء المادة الثامنة المتعلقة بحزب البعث. يتم التأسيس لنظام تعددي مدوزن أي تبقى وزارات السيادة بيد طاقم النظام الأسدي الحالي، ويكون أبرز تطور تسمية رئيس للوزراء من المعارضة من وزن هيثم المناع. ويبعد بعض الضباط من الجيش والأمن الذين أصبحت أسماؤهم متداولة عالمياً. تكون هذه التضحية مدخلاً لبقاء الترويكا العسكرية - الأمنية - المالية المؤلفة من ماهر الأسد وآصف شوكت ورامي مخلوف.
طبعاً يبقى الرئيس بشار الأسد رئيساً حتى العام 2014 وهو نهاية ولايته الرئاسية. ويحق له الترشح لولاية جديدة حيث من الطبيعي وهو الرئيس المحبوب من 26 مليون سوري أن يعاد انتخابه بنسبة قد لا تصل الى 99 في المئة وانما على ضفافها.
يلاحظ في كل ذلك أن باقي مطالب المعارضة السورية التي ما زالت برأي الأسديين دخيلة على الشعب السوري معلقة لا داعي للتعامل معها وأبرزها: اطلاق سراح المعتقلين وهم مجهولو العدد وان كانوا بالألوف وربما بعشرات الألوف. أما من مات فقد مات، ومن فُقِدَ فُقِدَ.
قد تكون بعض التفاصيل غائبة، المهم أن محور الممانعة انتصر، وان انتصاره مجسد بتراجع الدور القطري، وفعالية التهديدات الإيرانية لكل من تركيا ودول الخليج، وكأن إيران دولة عظمى يمكنها شن الحروب على جبهات عدة في وقت عجزت الولايات المتحدة الأميركية عن الصمود في حربين هما العراق وأفغانستان. أكثر من ذلك وكأن إيران ليس لديها ما تفعله من أجل إنقاذ النظام الأسدي سوى الدخول في رهان الرصاصة الوحيدة للروليت الروسية، الربح أو الموت. المعروف أن الدول مهما بلغت اندفاعاتها الى الأمام للحصول على موقع متقدم على خريطة صناعة القرارات، تحافظ على خطوط حمراء لا تتجاوزها، لأنه ما الفائدة لو ربحت العالم وخسرت وجودها.
في الجانب الدولي، موسكو تحقق مكاسب ضخمة. تحافظ من جهة على النظام الأسدي وقاعدتها في طرطوس، وتضغط على واشنطن في مسألة الدرع الصاروخية فيحررها ذلك من الإنفاق العسكري المتزايد. أما التضحية الروسية فتكون بتقديم الدعم المالي لاتحاد الدول الأوروبية التي تعيش على حافة الانهيار. ومن الطبيعي أيضاً أن الغرب كله سيقف مصفقاً في حضرة فلاديمير بوتين الرئيس المجدد له الى الأبد بالتضامن والتكافل مع ميدفيديف. كل هذه التنازلات الأميركية هي نتيجة لخسارة الحرب في العراق وأفغانستان. محور الممانعة والصمود المتحالف مع روسيا يتقدم، ومحور الامبريالية يتراجع.
هذا الحل يقوم أيضاً برأي الأسديين على نقطة جوهرية وهي أن العرب أكدوا مرة جديدة انهم يتفقون على ألا يتفقوا. أدركت دول الجامعة العربية أن أي قرار جديد سيفجر الجامعة التي بلا سوريا لا تبقى جامعة. المقاطعة ولدت ميتة لأن دول الحدود الثلاث وهي: لبنان والعراق والأردن لن تنخرط في المقاطعة، فما هي قيمة أي قرار لا تشارك فيه هذه الدول. مشروع إنشاء منطقة عازلة على الحدود التركية فشل لأن الأردن يرفض قيام منطقة عازلة على حدوده.
الخلط المتقن بين المشاريع والأماني، يولد مثل هذه الانتصارات الوهمية. مشروع القرار الروسي الذي ساوى بين عنف الدبابات والمسدسات، وبين الشبيحة والمدافعين عن مستقبلهم، ما زال مشروعاً يتطلب الكثير من البحث والتفاوض.
طبعاً من الطبيعي أن تجري مفاوضات بين العواصم المعنية موازية لمفاوضات الديبلوماسيين على الطاولة بين الروس والأميركيين ومعهم الأوروبيون. ملفات ضخمة من بينها الدرع الصاروخية وأيضاً رغبة وإرادة موسكو بالتمدد في ما تسميه مجالها الحيوي أي الجمهوريات الوسطى الغنية بالغاز والنفط والتي مدت الولايات المتحدة الأميركية يديها إليها، والمطلوب تخفيف نفوذها فيها. في النهاية أثبتت موسكو في كل المفاوضات أنها الى جانب الغرب لأن مصالحها العليا هي مع الغرب مهما كان وجودها مهماً في سوريا. عدم تقديم الأسد تنازلات على صعيد الحل الأمني وقبوله لمراقبين عرب ودوليين، وقلق موسكو من اضطرارها الى استخدام حق الفيتو يشجعها على التفاوض وتقديم التنازلات لكسب مواقع ومطالب اكثر اهمية لأنها استراتيجية لوجودها..
أما ما يتعلق بالجامعة العربية، فإنها تراجعت خطوة الى الوراء لتتقدم خطوات لاحقاً. يجب أولاً انتظار اجتماع مجلس التعاون الخليجي وصدور الموقف الحاسم منه. بعد ذلك ستجتمع الجامعة ليصبح قرارها مقدمة لمشروع دولي أقوى، وان كان لا يصل الى وضع سوريا على سكة الحل الليبي.
المعارضة السورية دخلت مسار الوحدة والتنسيق. يمكن القول إن مؤتمر تونس مقدمة لمؤتمر أوسع في القاهرة قد يكون على غرار مؤتمر لندن للمعارضات العراقية قبل بدء الغزو الأميركي للعراق. مجرد دخول المعارضات السورية مرحلة التنسيق، يعني أن مرحلة جديدة قد بدأت.
في كل هذه اللعبة التي يتبادل اللاعبون فيها كرة النار، فإن الشعب السوري هو الذي يدفع الثمن الغالي. المؤلم أن على الشعب السوري أن يتحمل قدره. تركيبة النظام الأسدي الأمنية - المالية تجعل للأسف كلفة سقوطه عالية جداً. تراجعه خطوة واحدة تعني هزيمته الكاملة. ايضاً تراجع قوى الثورة خطوة واحدة تعني خسارة الحرية والديموقراطية.
لذلك كله لا يوجد نصف حل.
[email protected]
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.