روسيا طلبت، والرئيس بشار الأسد نفّذ. دخول الدب الروسي الملعب الأسدي، أنهى عملياً دور الأسد في إدارة اللعب. بعد عشرة أشهر على الانتفاضة فالثورة، تحول النظام الأسدي كله الى لاعب ينفذ. توقيع نائب الوزير فيصل المقداد على بروتوكول الجامعة العربية، ملزم لنظام الأسدي. لولا الخوف من التدويل، لما وقّع النظام هذا البروتوكول. موسكو لم تعد تتحمل المماطلة، لأن يدها في النار. بوضوح شديد، قالت موسكو للأسد لن نستطيع استخدام الفيتو أمام أي قرار جديد في مجلس الأمن تدعمه جامعة الدول العربية. لا تستطيع موسكو، مهما كابرت مواجهة الرأي العام العربي والعالمي، والظهور بمظهر المؤيد والداعم لنظام يقتل شعبه.
تقرير منظمة حقوق الإنسان المتضمن قتل متظاهرين مسالمين وتعذيب المعتقلين واغتصابهم، أحرج موسكو ومعها بكين التي تدعمها من باب تنفيذ اتفاق قديم بينهما ادعمني لادعمك عندما يتعلق الأمر بمصالحنا العليا أو الكبرى.
العرب، منحوا النظام الأسدي وتحديداً الرئيس بشار الأسد المهلة بعد المهلة. النتيجة كانت وما زالت دائماً المزيد من القتلى والجرحى يومياً. المعارضة السورية تقول اليوم ان النظام يراوغ لكسب الوقت. هذه المرة ليس الأسد وحده المحشور. أيضاً العرب محشورون. لا يمكن للجامعة العربية هذه المرة تمديد المهلة، ولا تغطية عيونها أمام ما يحدث في الشوارع والساحات والمنازل المقتحمة لخطف الناشطين واخفائهم في الأقبية والمعتقلات التي أنشئت على عجل في الملاعب وغيرها. الفشل هذه المرة يلغي المهل. العالم كله خصوصاً واشنطن والاتحاد الأوروبي يراقب عن قرب ما يحدث. منذ أن تحولت الأزمة السورية الى اشتباك إقليمي ودولي والعالم أصبح طرفاً مباشراً في كل التطورات.
بين قبول البروتوكول وتنفيذه مسافة توازي المسافة بين المراوغة لكسب الوقت والنجاح لإنقاذ سوريا. لأن النظام الأسدي قبل البروتوكول العربي مرغماً، فإنه سيعمل جهده لتفريغه من محتواه. اللبنانيون يعرفون جيداً كيف يفعل هذا النظام بالاتفاقات. ألم ينجح في تحويل قوات الردع العربية الى قوات ردع سورية؟. ألم ينجح في مناوراته الدموية الى درجة ان مطلب عودة الجيش السوري الى بيروت أصبح مطلباً شعبياً؟ لذلك كله لا أحد يثق بالنظام الأسدي.
ما يرفع من منسوب عدم الثقة، انه قبل توقيع البروتوكول العربي، أكد الأسديون أن تسوية دولية قد انتجت هذا القبول. موسكو وطهران ومعهما دمشق نجحوا في دفع واشنطن وأنقرة والرياض ومعها باقي الدول العربية الى التسوية. المفتاح الأول الى التسوية، بقاء الأسد حتى نهاية ولايته في العام 2014، بعد ذلك شعبيته تسمح له بالتجديد أو عدمه. حتى ذلك الوقت تنفذ مرحلة انتقالية تلغى فيها المادة الثامنة المتعلقة بأحادية حزب البعث، ويفتح الباب أمام المعارضة للمشاركة في المرحلة الانتقالية. أمام هكذا تسوية مفترضة يصح طرح الكثير من الأسئلة المشروعة وأبرزها:
[ ماذا تعني الإصلاحات وبقاء الأسد؟ هل تبقى الآلة العسكرية ـ الأمنية والمقصود هنا ليس المنفذين من قادة أفرع المخابرات وانما الحلقة الأمنية ـ المالية المرمزة عالمياً بالترويكا المعروفة: ماهر الأسد وآصف شوكت ورامي مخلوف؟ وإذا قَبِلَ الأسد أن يقلع أنيابه هل يقبل هؤلاء باقتلاعهم؟
[ هل النظام مستعد للقبول بمشاركة حقيقية وفاعلة ـ بصريح العبارة للسنّة في النظام؟ انتهى زمن المشاركة الرمزية حيث كل لواء سني يشرف عليه ضابط علوي أو أقلوي له الكلمة الأخيرة في القرار. في زمن ما بعد الربيع العربي، الأكثريات تحضن الأقليات، والأقليات تشارك الأكثريات في الحقوق والواجبات.
[ هل يتم إطلاق سراح المعتقلين وهم بعشرات الألوف وما هي المعايير والأحكام التي سيتم التعامل بها معهم. كون هذه النقطة مطاطة جداً فإن حياة الآلاف معلقة عليها.
[ خلال عشرة أشهر سقط آلاف القتلى والجرحى. كيف سيتم التعامل معهم كشهداء أم قتلى. ثوار أم خونة؟
[ كيف سيعامل الجنود المنشقون خصوصاً في الجيش السوري الحر وهم بالآلاف؟
هذا غيض من فيض على الصعيد السوري البحت. أما على الصعيد الإقليمي والدولي، فإن مسلسل الأسئلة طويل: نجاح التسوية حسب تصور الأسد وموسكو وطهران يعني تحقيق انتصار كبير لمحورهم، وهزيمة واضحة لواشنطن والاتحاد الأوروبي وللأغلبية المطلقة للدول العربية. فهل كل هؤلاء مستعدون للهزيمة علماً أن المواجهة ما زالت مفتوحة على كل الاحتمالات؟
[ ماذا عن تركيا، هل تستسلم أمام هكذا تسوية ويعود حزب العدالة والتنمية (لاحظ لم يقل وليد المعلم الحكومة التركية) للاعتذار من الأسد ونظامه وهي التي تلعب عبر الحزب دور المرشد للحركات الإسلامية الصاعدة؟
[ ماذا سيفعل النظام الأسدي بعد تثبيت بقائه بدعم روسي ـ إيراني بلبنان واللبنانيين أو على الأقل بنصف اللبنانيين؟ إذا كان قد فرض سابقاً بعد عودته الى تحت مظلة الشرعية الدولية إسقاط حكومة سعد الحريري فماذا سيفرض هذه المرة؟
تبقى نقطة واحدة أن واشنطن وباريس وأنقرة ومعظم الدول العربية تريد تنفيذ البروتوكول في إطار مفاوضات تؤدي الى تحقيق عملية انتقالية لسوريا من النظام الأسدي الأحادي الى النظام الديموقراطي التعددي، في حين أن النظام الأسدي لا يهمه إلا البقاء الى الأبد مهما كان الثمن من حرية وكرامة الشعب السوري. أما حلفاؤه في موسكو وطهران فإن حساباتهم مختلفة وإن كانت في النهاية تتقاطع مع ضرب حرية وكرامة الشعب السوري.
[email protected]
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.