كل ما تقوم به إيران في هذه الفترة، هو من باب الهجوم في معرض الدفاع. تشعر القيادة الإيرانية، انها تتعرض لهجمة غير مسبوقة من الخارج، وتطورات دقيقة في الداخل. لا يعني ذلك انه لا يجب الحذر واعتبار التصعيد مجرد مظاهرة قوة تنتهي كما عاصفة في فنجان. لا شك أن وضع الهر في الزاوية، يدفعه للتنمّر، فكيف إذا كان المحشور ليس ولا يريد أن يكون نمراً من ورق؟!.
المناورة البحرية الضخمة في مضيق هرمز، ليست من النوع الجديد. لكن لأنها جاءت بعد التهديدات باقفال هذا الشريان الحيوي للنفط والعالم، أصبحت مهمة. المناورات نفذت بسرعة كبيرة رداً على التهديدات الغربية بوضع النفط الإيراني على لائحة العقوبات. مثل هذا القرار يعني فعلاً قطع الهواء والماء عن إيران. منطق عليّ وعلى أعدائي ليس بعيداً عن عقلية القيادة الإيرانية التي تعيش حالاً من فائض القوة الكبير. لا يمكن للولي الفقيه ترك إيران تختنق وهو الذي يريد ان تصبح إيران قوة إقليمية عظمى وليس مجرد شرطي للخليج كما كان يريد الشاه. لكن بين الرغبات والقدرات مسافة طويلة جداً. لا الغرب مستعد لخوض هكذا حرب، ولا إيران قادرة على الدخول في هكذا مغامرة، قد تضرب وجودها كله، وليس مجرد قوتها.
ما يدفع إيران الى هذا التصعيد غير المسبوق، أن العقوبات الغربية بدأت تفعل فعلها. في الوقت الذي كانت فيه الصواريخ تصعد إلى السماء، كان التومان الإيراني يسقط على الأرض. المشكلة أن التومان الإيراني، مرشح أكثر فأكثر للسقوط. انهيار القدرة الشرائية ونمو التضخم ونسبة البطالة المرتفعة، أسباب كافية لتفجير طنجرة الضغط الموضوعة على النار. ما يؤكد ذلك، انه كلما اقترب موعد استحقاق الانتخابات التشريعية في 3 آذار المقبل، ارتفع صفير طنجرة الضغط. الخطر الحقيقي ان إيران القوية تتحول يوماً بعد يوم، الى اتحاد سوفياتي إقليمي، تستطيع الصعود الى الفضاء، ولا تقدر على حل مشاكل مواطنيها على الأرض.
قائد الحرس الثوري الجنرال محمد علي جعفري، أعرب عن قلقه أمام قيادات الحرس، مضيفاً أن الوضع الأمني والثقافي في العاصمة، ليس مقبولاً. هذا الكلام تهديدٌ مبطنٌ في مواجهة الانقسامات داخل البيت الواحد، خصوصاً بين النجاديين والمحافظين. ما يؤكد جدّية هذا التهديد، وضع هذا الوضع المقلق، تحت مظلة الحرب الناعمة، التي يشنها الغرب على إيران. يجب متابعة الوضع الداخلي في إيران بدقة. ما يحصل يشكل كوكتيلاً متفجراً، في وقت تهب عليه رياح الربيع العربي، لتجعله أكثر اكتمالاً ونضوجاً للانفجار. كلام الجعفري يؤشر الى أن الحرس الثوري لن يبقى مجرد مراقب للباسيدج ومدى سيطرتهم على الشوارع والميادين. هذه المرة، قد يتدخل بنفسه. لا شيء يمنع من تحول إيران الى سوريا ثانية.
لا شك في أن إيران تعيش حالة حقيقية من الاستهداف في كل ما يجري في سوريا. كلما ضعف النظام الأسدي، أصيبت إيران بالوهن. ليست المسألة ان تخسر إيران حليفاً لا تستطيع تعويضه فقط. المأزق الحقيقي أن إيران الإسلامية، ستخسر أيديولوجياً. سقوط النظام الأسدي، يسحب إيران بعيداً عن الحدود مع فلسطين. ما يعمّق هذا المأزق، أن البديل غير موجود. حزب الله يساعدها على الحضور، لكنه يضيف الى مأزقها مأزقاً جديداً. كيفية المحافظة عليه وليس استثمار وجوده، سيشكل هماً كبيراً عليها مواجهته. هذه المواجهة، تتطلب قراءة جديدة للمنطقة، في وقت لم تكتمل صورتها ولم تنضج أطرافها. من دون هذه القراءة، لا يمكن صوغ استراتيجية مناسبة. هذا الغموض الكامل، ليس لأسابيع وأشهر، الأرجح لعام وحتى عامين، سواء سقط النظام الأسدي اليوم أو بعد أشهر.
أغرب ما في التطورات، أن الأسديين يبدون ثقة مفرطة، بأن النظام الأسدي تجاوز القطوع. الدليل عندهم:
[ معارضات متحاربة ومتناحرة ومتنافسة في ما بينها، في وقت المطلوب فيه اليوم أكثر من أي وقت مضى، أن تتوحد.
[ أن النظام الأسدي ما زال متماسكاً ومتضامناً. لم تنجح عشرة أشهر من الثورة في تفكيكه ولو بنسبة عشرة في المئة.
[ ان جبهة الممانعة ما زالت صلبة. إيران وروسيا مع النظام الأسدي حتى سقوطه. والعديد من الدول العربية تبطن غير ما تظهر.
[ جرى تدجين لجان المراقبين، واستطاعت دمشق اللعب على مهمتهم، بحيث حوصرت في بعض الشوارع والأزقة. أما الباقي، وأوله فكّ أسر المعتقلين، وتنفيذ باقي بنود البروتوكول، فقد ضاع بين أيهما أولاً البروتوكول أو المبادرة.
أيضاً وهو الأخطر، أن النظام الأسدي يتبّع حالياً استراتيجية مستولدة من التجربة الجزائرية التي عرفت بالجزأرة. التجربة استمرت عشر سنوات كاملة، وانتهت ببقاء النظام وانهيار الإسلاميين. عماد الجزأرة الدفاع عن المناطق والنقاط النافعة للنظام مثل دمشق وحلب والجبلين العلوي والدرزي، والتخلي تدريجاً عن المناطق الساخنة، وتحديداً الأرياف، بما فيها ريفا دمشق وحلب، والقيام تدريجاً بعمليات عسكرية جراحية، تستنزف قوى هذه المناطق، تماماً كما حصل في الجزائر، عندما جرى تحصين مناطق انتاج النفط والدفاع عنها، وترك الأرياف مباحة، أمام العنف المزدوج، فالنظام كان يتعمّد المذابح حتى يجفّف الحوض من الماء.
سيناريو الجزأرة السوري مهم وخطير، وقد يغرّق سوريا في بحر من الدماء، لكن لا يمكن اطالة فترة مقاومة النظام الأسدي وممانعته طويلاً، كما يأمل أركانه. السبب، أن نظام جنرالات فرنسا، كان مدعوماً من فرنسا وكل الغرب، وحتى من معظم العرب، بمن فيهم المغرب وتونس وليبيا، الخائفين من الخطر الأصولي الإسلامي. في حالة سوريا، الوضع مختلف. المعارضة ليست إسلامية أصولية، حتى ولو ظهر في بداياتها الشيخ العرعور. العالم، خصوصاً واشنطن وباريس، ليس خائفاً من وصول الإسلاميين، على مثال الاخوان المسلمين الى السلطة. باختصار، الصراع أكثر تعقيداً في سوريا، من أن يمر سيناريو الجزأرة بهذه البساطة.
أمام إيران وسوريا، ستون يوماً من المواجهات والاختبارات. من المؤكد أن نتائجها، سترسم مصير المنطقة لفترة طويلة.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.