8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

جزأرة سوريا وعسكرة إيران

تقرير المراقبين العرب، وتأجيل الجامعة لقرارها الحاسم من سوريا، أقنع الكثيرين أنّ الأزمة طويلة، وأنّ النظام الأسدي مستعد للقيام بأي شيء من أجل كسب معركة، أي معركة، طالما أنّ ربح الحرب مستحيل. النظام يريد أن يربح المواجهة بالنقاط. اقتنع أخيراً أنّ الانتصار بالضربة القاضية لن يحصل ولو في الخيال. أكثر ما يساعد النظام على طمأنة نفسه، أنّ المعارضات متخندقة في انقساماتها، لا بل أنّ انقساماتها أصبحت أكثر عمقاً وتنوّعاً وحدّة. بهذا فإنّ الشارع عار من القيادة والبرنامج. وإذا كان لم يتعب بعد عشرة أشهر من القتل والقمع فإنّ وسائل أخرى أكثر تأثيراً وإيلاماً قد تنتج تحوّلاتً قائمة على اليأس وخارجة من الإحباط. لذلك يزداد الحديث يوماً بعد يوم عن جزأرة سوريا.
الجزأرة الخارجة من الجزائر على وزن اللبننة والعرقنة والصوملة والسودنة هي وليدة العشرية السوداء في الجزائر، التي ذهب ضحيتها أكثر من مئة ألف قتيل أُضيفوا إلى المليون شهيد الذين حرَّروا الجزائر، في حين ضحايا الجزأرة ذهبوا ضحيّة حرب ضاعت هوية القاتل فيها، وغابت أهمية الضحايا عنها. الحرب بدأت مع انتصار الإسلاميين في أوّل انتخابات تشريعية حقيقية في الثمانينات. لكن العسكر لم يقبلوا النتيجة فكانت أن بدأت حرب أقل ما يُقال فيها انّها كانت إجرامية. الإسلاميون قاتلوا وقتلوا وارتكبوا مذابح واسعة، والجيش الذي كان يتولّى قيادته الجنرالات محمد التواني وخالد نزار والعربي بلخير وغيرهم، والأمن العسكري الذي كان الجزائريون يطلقون عليه S.S نسبة إلى الغستابو النازي لكثرة ما ارتكبوا من جرائم بقيادة اسماعيل وتوفيق ومديني وغيرهم. جرائم كثيرة وقعت اتُهم فيها الإسلاميون وتبيّن فيما بعد أنّ الجيش والأمن هم الذين ارتكبوها. أحدث الاكتشافات انّ الرهبان الفرنسيين الذين قُتلوا وقُطِّعت رقابهم قتلهم الجيش وليس الإسلاميون. الهدف كان تصحير شعبيّة الإسلاميين وخلق جو من الكراهية الشعبية ضدّهم. ما كان يساعد العسكر والجنرالات أنّ العالمَين الغربي والعربي كانا يقفان مع النظام، ممّا سمح له الإمساك بالسلطة وإلغاء إنتصار الإسلاميين والمجيء بالسياسي المخضرم عبدالعزيز بوتفليقة رئيساً للجمهورية. الجديد أنّ الجزائر تجد نفسها مرّة جديدة في امتحان مع الإسلاميين والنظام الحالي برئاسة بوتفليقة يبحث عن حلول تمنع انزلاق الجزائر نحو ربيع عربي لن تنجح الجزأرة فيه لأنّ العالم تغيّر.
في سوريا، النظام الأسدي لا مانع لديه لا بل لديه استعدادات كاملة للخوض في تجربة مماثلة لـالجزأرة طالما أنّ التدخل الخارجي ممنوع وغير مقبول كلياً، والمطلوب جعل الحسم بعيداً. من ذلك أنّ تفجير حي الميدان، وهو حي معروف بأنّه بؤرة غنيّة للمعارضة، يمكن وضعه في خانة الجزأرة. ترجمة ذلك أنّه قد توجد حلقة ساذجة مأخوذة برغبة الثأر للقيام بمثل هكذا عملية غبية يستثمرها النظام الأسدي. لا شيء يمنع في الوقت نفسه أن تقوم مجموعة أمنية من داخل النظام بمثل هكذا عملية بربرية لدفع النظام كله نحو بربرية أكثر في القمع يُنهي حتى التفكير بحل سياسي. باختصار النظام الأسدي يقتات ويتغذّى ويقاوِم بمثل هكذا تفجير انتحاري. لدى النظام خبرات طويلة ومشهودة له في لبنان وضدّ الفلسطينيين والعراق. في مثل هذه الحالة على الجميع، خصوصاً السوريين، أن يعتادوا ويتعايشوا مع العنف الدامي واللجان والمراقبين، تماماً كما عاش اللبنانيون حتى مع أول العسكريين السوريين العقيد محمد الخولي وصولاً إلى العقيد رستم غزالي.
يعتمد النظام الأسدي على هكذا سيناريو مناصرة ودعم إيران وروسيا له. الأولى تؤمّن له الحماية الاقليمية والدعم المالي والخبرات العسكرية والأمنية والثانية تجمد وتعطل التحرّك الدولي ضدّه. يبقى أنّ إسرائيل ربحت كثيراً في تعطيل النظام الأسدي لجبهة الجولان وتحويلها إلى كهف ساكن طوال أربعة عقود تقريباً، وهي ستربح أكثر فأكثر مع غرق سوريا في حمام دم طويل.
النجاح في تنفيذ سيناريو معد باتفاق في مرحلة معينة لا يعني مطلقاً ضمان نجاحه إلى النهاية، خصوصاً أنّ العقدة الأساسية في كل ذلك تعتمد على استمرار إيران في دعم النظام الأسدي. لا شك أنّ المرشد آية الله علي خامنئي يدعم بقوّة هذا النظام، وهو يعتبر سقوط النظام الأسدي إلحاق خسارة استراتيجية للنظام ولإيران. لذلك كلما شعر بانّ الخسارة تقترب يندفع أكثر فأكثر نحو عسكرة النظام سواء ميدانياً في توالي المناورات من جانب الجيش والحرس الثوري، أو على تشكل النظام نفسه.
الصراعات داخل البيت الواحد، أصبحت حادّة جداً. كلما اقترب استحقاق الانتخابات التشريعية كلما تبلورت الصراعات أكثر فأكثر. من هنا فإنّ المرشد خامنئي إذا وجد أنّ تشكيل مجلس الشورى بعد الانتخابات لا يتناسب مع التحوُّلات الاقليمية والدولية، سيضع الجميع أمام الاختيار بين جنرالات الحرس، سواء كانوا قدامى أو في الخدمة. المرشحون كما يرشح من طهران ثلاثة، اثنان معروفان وقد سبق وأن خاضا الانتخابات، وهما الجنرالان السابقان محسن رضائي ومحمد قليبان، والثالث معروف ومجهول في الوقت نفسه وهو الجنرال قاسم سليماني. لا شك أنّه في حال دخل سليماني الانتخابات فإنّه سيفوز لأنّه الرجل القوي في الحرس والمعروف في إيران والعراق ولبنان وفلسطين وخصوصاً في سوريا، وبطبيعة الحال من الأميركيين والمجتمع الدولي لأنّه موضوع على رأس لائحة العقوبات الأميركية الأوروبية.
قاسم سليماني جنرال خطر وخطير. مجرّد التلويح به مرشحاً لرئاسة الجمهورية رسالة مكتوبة بالنار للجميع، فكيف إذا تحقّق ذلك ووصل إلى الرئاسة. الكلمة الحاسمة تبقى حالياً بيد المرشد الذي تعب من نجاد والنجاديين. أما انتخاب سليماني لرئاسة الجمهورية فإنّ ترجمته داخلياً مزيد من عسكرة النظام ونهاية اللعبة الحالية القائمة بأنّ تحت العمامة توجد قبعة الحرس.
يبقى أنّ وضع العالم أمام اختبار دائم بالمواجهة العسكرية رغم أنّها انتحارية من جهة، ودفع جنرال مثل قاسم سليماني إلى الرئاسة، يعني رفع درجة حرارة النار تحت الصفيح الأسدي، حتى لا تأتي الانتخابات الرئاسية الايرانية وجزأرة سوريا قائمة.
[email protected]

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00