لا يعادل تفاؤل الأسديين من لبنانيين وسوريين، بنجاة النظام الأسدي من الأزمة، والدخول الى جنة الاستقرار وتثبيت دعائم الدولة الأسدية، سوى التفاؤل الزائد لدى بعض الجهات المعارضة للنظام نفسه التي تضع كل فترة موعداً قريباً لسقوطه ونهاية الرئيس بشار الأسد.
الواقعية السياسية تقول، إن الحرب طويلة. مضى حوالى 11 شهراً عليها، ولا تبدو مؤشرات على الحسم.
الرئيس الأسد يضرب بشدة لعله ينتصر، والشارع السوري يقاوم بصدور أبنائه العارية، بانتظار أن تتوحد المعارضات في مجلس واحد وموحد يدفع المجتمعين العربي والدولي للاعتراف به ممثلاً شرعياً للشعب السوري، يؤدي الى فتح مسار جديد فاعل ومؤثر ضد النظام الأسدي.
الأسديون رأوا في خطابي الأسد نصراً مبيناً على المؤامرة الكونية ضد النظام الممانع والمقاوم. هذا الانتصار جاء نتيجة لنجاح الحل الأمني من جهة، ولاقتناع بعض العرب وبعض الغرب، بأنه من الأفضل التفاهم مع الأسد قبل أن تلحق بهم هزيمة نكراء لا يمكن أن يكون القبول ببقائه ثمناً يتيماً بل يجب التسليم له بدور أحادي منفرد على كامل أرض الشام التي تضم لبنان والأردن وفلسطين. قد يكون بعض هذا البعض من العرب، ودولٌ من المجتمع الدولي قد سعى لصياغة حل مقبول يبقي على الأسد بلا أنياب والمعارضة بلا مخالب، حتى يتم تجنب أي امتحان جنوني لاستقرار المنطقة المهتز؛ لكن الأسد في خطابيه الأخيرين، لم يترك حق الخيار أمام أحد. مجرد حديثه عن العرب والمستعربة إهانة لأي عربي فكّر بمساعدته. إصراره على الحل الأمني ومطالبته بالوقوف واحتضان الأمن ومختلف الأجهزة المختصة لأن ذلك يعطي نتائج حاسمة وسريعة، هو أكثر من إهانة لكل المجتمع الدولي الذي يرى في تجاوز هذه الأجهزة كل الخطوط الحمراء وارتكابها جرائم ضد الإنسانية. لا يكفي أن يقذف الناس الحبل للغريق كي ينجو من وسط الأمواج العاصفة. في الأساس يجب أن يمد الغريق يده لأخذ الحبل للنجاة. الأسد بما يشعر من فائض القوة، يريد أن ينجو بذراعيه وبمساعدة من يطمئن لهم مثل الإيرانيين والروس دون غيرهم رغم أن طول حبالهم تؤكد عدم وصولها الى الغريق الأسدي، لأنه يوماً بعد يوم يبتعد عن الشاطئ ويضيع وسط الأمواج. مشكلة اضافية، لا يعرف الأسد أو لا يريد أن يقبل بأن الإيرانيين والروس معاً يسعون جهدهم لإنقاذه فإنهم لن يخاطروا بأنفسهم، إذا تعذر ذلك. في جميع الأحوال لا يجب أن يفاجئ سلوك الأسد ونظامه أحداً. مثله مثل من سبقوه وآخرهم الرئيس علي عبدالله صالح. يعرف صالح جيداً انه لم يعد أمامه من مخرج ولا منفذ لمغادرة السلطة، لكنه ما زال متردداً. في النهاية يقبل ويرحل أو يسقط ويندم.
يؤكد الأسديون أن طهران وأنقرة اتفقتا على الحل لإنهاء الأزمة في سوريا. للبلدين مصالح مشتركة ضخمة تتطلب صيانتها والعمل على تنميتها، ولا يمكن التضحية بها بسبب نوري المالكي أو بشار الأسد. يضيف الأسديون أن الحل جاء ضمن سلة عمل رئيس مجلس الشورى علي لاريجاني في أنقرة ويستكمل وزير الخارجية علي أكبر صالحي في 19 الجاري ما بدأه الأخير.
قراءة سريعة لما أُعلن وما تسرب، يمكن القول إن طهران خرجت مُدينة لأنقرة وليس العكس، ذلك أن الإيرانيين حصلوا من المسؤولين الأتراك على مواقف مؤيدة لهم في:
* الملف النووي، حيث أكدت أنقرة انها تصرّ على حل عبر الطرق الديبلوماسية. بذلك فإن أنقرة ستتابع موقفها في دعم المباحثات خمسة زائد واحد التي سبق ان استضافتها.
* ملف المقاطعة الاقتصادية، حيث أكدت أنقرة انها مستمرة في استيراد حاجاتها من النفط الإيراني وانها غير معنية بالعقوبات الاحادية ومن جانب واحد، أي غربية.
طالما أن المصالح هي التي تتكلم، والحفاظ عليها وتطويرها هو الذي يدفع الى حُسن القرارات، فإنه من الطبيعي جداً عندما يأخذ طرف أن يعطي للطرف الآخر. فماذا أعطت إيران لتركيا؟
ملفان معلقان يعنيان طهران وأنقرة هما العراق وسوريا. يبدو أن ما تسرب حتى الآن هو موافقة إيرانية على تخفيف ضغوطها في العراق، عبر رئيس الوزراء نوري المالكي، على القائمة العراقية بالاسم، وعلى الطرف السني بالفعل، ممثلاً بنائب الرئيس طارق الهاشمي. إيران تستطيع أن تقدم هذا التنازل لتركيا، خصوصاً وان البازار مفتوح على مسارات عديدة.
أما بالنسبة الى سوريا، فإن الخلافات عميقة بين العاصمتين، خصوصاً وأن أنقرة أكدت دائماً انها مع الشعب السوري وخياراته وليس مع النظام وقمعه، في حين أن طهران ما زالت تحتضن النظام الأسدي وتدعمه بكل ما يمكنها على أمل أن ينجو ولا يعرضها لخسارة استراتيجية. لذلك فإن علي لاريجاني لم يستطع إقناع المسؤولين الأتراك بالعمل لإنقاذ النظام الأسدي خصوصاً وأن الأسد أصرّ على الخيار الأمني رغم إعلان استعداده على التعاون مع المعارضة دون أي تحديد لمكوناتها. لكن من الواضح أن صالحي وزير الخارجية سيتابع المباحثات من حيث انتهى لاريجاني.
الفرق بين أنقرة وطهران، أن الأولى يديها ليست في النار وتستطيع الانتظار، أما طهران فإنها تعيش في وسط حزام من النار بسبب تشديد المقاطعة الاقتصادية عليها الى درجة أن المسؤولين الأميركيين يعلنون بأن هدف العقوبات شل عمل البنك المركزي، في وقت يقترب فيه استحقاق الانتخابات التشريعية الذي بدأ باكراً ومهدداً بخلافات حادة داخل بيت النظام نفسه، والتي قد يصل صداها الى الشارع في انتفاضة خضراء أكثر قوة وخطراً.
طهران بحاجة الى حل سريع يضمن مصالحها، أما أنقرة فيمكنها الانتظار واللعب بهدوء على حافة النهر لتحقيق مكاسب أضخم وأكبر.
النظام الأسدي يبقى الخاسر الأكبر، أولاً لأنه موضع تفاوض بين الجارتين تركيا وإيران، وثانياً لأنه لن يربح، إذ لا يمكن إعادة عقارب الساعة الى الوراء.
[email protected]
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.