فشل حل المراقبين العرب في سوريا. النظام الاسدي نصب بتوجيه روسي فخاً للجامعة العربية وقعت فيه. بداية، كان يعرف النظام انّ جمع عدد كافٍ من المراقبين أمر يتطلب الوقت. ليس أمراً عادياً تجميع خبرات ميدانية تتمتّع بالأخلاقية السياسية والعسكرية ونسبة عالية من المهنية وعدم الانحياز بسبب طلبات إن لم تكن أوامر من الدول التي ينتمون إليها. العدد القليل للمراقبين والمساحة الواسعة لعملهم، سمح للنظام الأسدي بالتلاعب عليهم. هدف النظام كان وما زال ربح الوقت لأنّه إذا تجاوز آذار المقبل حسب الأسديين انتهى الضغط الدولي عليه. باريس ستغرق في الانتخابات كذلك الولايات المتحدة الأميركية.
الأهم أنّ الغرق في مشاكل المراقبين من العدد إلى العمل، اضاع الالتزام بالبروتوكول. الدبابات لم تنسحب إلاّ شكلياً أو مؤقتاً، والسجون والمعتقلات ما زالت مزدحمة بالمعتقلين الذين يعانون أصنافاً مختلفة من الإهانات التي تصيبهم بشروخ نفسية لا تندمل، وصولاً إلى الموت تحت التعذيب على وقع الصراخ عالياً: الأسد إلى الأبد. البروتوكول العربي غرق في فخ المراقبين. المطلوب حلاً، يُخرِج الشعب السوري من قلب حزام النار وعدم الانجرار للسقوط في تجربة ليبية غير مقبولة.
الأهم، أنّ الثورة مستمرّة. الشارع لن يتراجع ولن ينخدع بقرارات العفو التي تطلب من الناس تسليم أنفسهم للأمن إثباتاً منهم لبراءتهم وحسن نواياهم، علماً أنّ النظام هو المدعو لإثبات حسن نواياه وليس العكس. كلفة الثورة ترتفع يوماً بعد يوم. الأرقام بدأت تفقد قيمتها رغم كل مأساويتها. سقوط أربعين قتيلاً في اليوم الواحد أصبح أمراً طبيعياً. هذا التحوّل يؤكد على حالة متكاملة بين النظام والثوار. الأول لم يعد مهماً لديه سقوط الآلاف من الضحايا ولو بالتقسيط. هذا الموقف يؤكد أنّ النظام الأسدي واحد من الأب إلى الابن. الطبيعة ذاتها مع اختلاف في الشكل بسبب اختلاف الزمان والظروف. لو كان العالم اليوم كما كان قبل ثلاثين عاماً، لكانت حمص ودرعا وأدلب ومعرّة النعمان والبوكمال قاعاً صفصفاً كما حصل مع حماه. العرب لا يقبلون ذلك والعالم لا يتحمّل هكذا جرائم ضدّ الإنسانية.
يعتمد النظام الأسدي في نجاته، على تحويل الثورة الداخلية إلى مواجهة خارجة من تفاصيل الحرب الباردة. موسكو وبكين وطهران في مواجهة الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا. هزيمة النظام تصبح هزيمة لترويكا الممانعة. موسكو وبكين وطهران ليست فعلاً عواصم ممانعة. كل ما في الأمر أنّ موسكو استذكرت كيف واشنطن استضعفتها غداة سقوط الاتحاد السوفياتي وانهياره، وأبعدتها عن القرار الدولي حتى في الكثير مما يعني مجالها الحيوي. موسكو تريد من واشنطن احترام مصالحها ولو على حساب السوريين. الصين تريد ضمان مصالحها وهي تسند موسكو لتسندها.
طهران كانت وما زالت تعتبر أنّ سقوط النظام الاسدي يشكّل خسارة استراتيجية لها تنهي إلى حد كبير دورها الاقليمي. لذلك تبدو مستعدة للذهاب بعيداً في دعمها للنظام الأسدي، إلى درجة أنّ الجنرال قاسم سليماني قائد فيلق القدس يزور دمشق دون قلق من كشف سرّية زيارته كما في السابق. لكن طهران الواقعية جداً، تشعر بالقلق الشديد حول مستقبل النظام الأسدي. الكلام الإيراني عن أنّ انشقاق الجيش السوري هو مصدر خطر كبير يصرّح أكثر مما يخفي. حتى الآن يبلغ عدد المنشقين من الجيش حوالى عشرين ألف جندي، والقادم أعظم.
تبقى أنقرة. قلقها من طبيعة أخرى للقلق الإيراني. سقوط النظام الأسدي يريحها خصوصاً إذا ما وضع في سياق نتائج الربيع العربي. تعمل أنقرة على نفي أي توجُّه سنّي لمسارها ومواقفها. في الوقت نفسه تكثف نشاطاتها، لتفكيك الحلقات الداعمة التي تحمي النظام الأسدي. التوجّه نحو الداخل السوري، يتركز على فصل الحلقة المسيحية عن النظام الذي يستخدمها درعاً لحمايته داخلياً ورأس حربة في الخارج على أساس أنه نظام علماني وليس عائلياً يستثمر مَنْ يخدمه ويتعامل مع مَنْ يعارضه خصوصاً إذا كانوا علويين بقسوة أشد. صدام حسين كان هكذا، ودفع الثمن غالياً.
خارجياً، تعمل تركيا على التفاهم مع طهران معتمدة على العلاقات الممتازة التي تربطها بها. من الأفضل لطهران فك تحالفها مع النظام الأسدي الآن قبل انهياره وخسارتها للعلاقات مع النظام القادم. لا تطلب أنقرة من طهران أكثر من الاستماع لصوت الشعب السوري. ليس سهلاً على طهران أن تدير أذنها الصمّاء عن صراخ الشعب السوري خصوصاً وأنّ مصالحها الاستراتيجية في الميزان. محاولة طهران إقامة علاقات مع الاخوان المسلمين في سوريا يعني في جميع الأحوال انها تحسب حساباً للمتغيّرات.
محاولات عديدة تجري لصياغة تسوية كبرى يتساوى الجميع فيها بالربح والخسارة. مثل هذه التسويات نادرة. في النهاية يجب أن يربح طرف ويخسر طرف آخر. الشعب السوري لا بد أن يربح، لأنّ الموت لم يعد يخيف الشباب السوري.
[email protected]
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.