سنة حلوة يا مصر...
ما زال الوقت مبكراً لوضع نقطة ختام، وتحديد المفاعيل النهائية للثورة. دولة الثورة، ما زالت جنيناً. انتصار الإسلاميين من إخوان مسلمين وسلفيين مرحلة مهمّة وربما ضرورية لمسار بناء الدولة. تصحير الحياة السياسية، والسرقات المقوننة، والفساد، والبطالة والفقر، دفعت أكثرية الشعب المصري للذهاب بعيداً في طلب الخلاص من الإسلاميين. الآن وقد دخل الإسلاميون، جنّة السلطة، سيجد هؤلاء أنّ السلطة ليست شعارات يمكن ربط الفقراء بها. الآن أمام الإسلاميين أكثر من أربعين مليون فم بحاجة للعيش (الخبز) وأكثر من سبعين مليوناً هم تعداد الشعب المصري بحاجة لسياسات اقتصادية منتجة تخفض المنسوب المرتفع للفقر والبطالة. مطلوب من الأغلبية التي تشكّلت بعد الانتخابات أن تضع وتنفذ سياسات يشعر بجدّيتها وفعاليتها كل مصري. أيضاً وهو مهم، انّ الإسلاميين في مصر الذين اعتادوا التحرّك تحت الأرض، والتخندق والتوحّد في مواجهة السلطة والآخرين، يجدون منذ الآن أنفسهم في قلب السلطة والآخرين بكل أطيافهم الاجتماعية والفكرية والسياسية. أيضاً وهو مهم جداً، أمام الإسلاميين دفع ضريبة الاحتكاك بالعالم. كان الإسلاميون يتحصّنون ويدعمون مواقفهم من موقع الرافض لسياسة حكام مصر. الآن وقد أصبحوا هم الحكام عليهم واجبات ومسؤوليات بعلاقة مصر الدولة مع العالم. الإسلاميون خصوصاً الإخوان الذين رفضوا وزايدوا على جمال عبدالناصر وهو يصنع الثورة ويقودها وأطلقوا عليه النار، وبعده أنور السادات وحسني مبارك في التعامل مع اتفاقية كامب ديفيد ومع إسرائيل، عليهم أن يقرروا فوراً كيف سيتعاملون مع هذا الملف؟ على الأرجح كيفية تعاملهم مع إسرائيل، ستحدّد موقف الآخرين من التغيير في سوريا. النظام الأسدي أشعل لبنان وأحرق الفلسطينيين وصبّ الزيت على النار العراقية، ولكنه أدخل الجولان في الكهف.
يبقى أنّ الشباب لم يخسروا الثورة، خسروا مرحلة لأنّهم لا يملكون الخبرة والمعرفة والقيادة. يكفي أنّهم سيبقون كما يُقال في الجيش المصري نوبة صاحي، أي المجموعة التي تنبّه الآخرين لكل أنواع التسلّل أو الاختراق. من حظ الشباب أنّ الإسلاميين خصوصاً الإخوان ما زالوا في المرحلة الأربكانية (على مثال أربكان في تركيا) وليس الأردوغانية (على مثال طيب أردوغان)، ولذلك فإنّهم قادرون على الفعل والبناء من أجل التغيير وبناء دولة ديموقراطية قادرة على إعادة الموقع والدور لمصر.
سنة على الثورة في مصر.. وأكثر من عشرة أشهر على الثورة في سوريا. مصر دخلت مرحلة بناء دولة الثورة، أما سوريا فإنّ الصراع ما زال مفتوحاً على مصراعيه. القذافي وحده تفوّق في عنفه ودمويته وفي مرحلة معينة على النظام الأسدي، بعد ذلك كل يوم جديد يتفوّق فيه النظام الأسدي برئاسة بشار الأسد على نفسه في إغراق الشعب السوري في بحر من الدماء. يستثمر النظام كل موقعه الاستراتيجي في المنطقة لتجيير كل الدماء التي أهرقها ويهرقها من أجل بقائه.
الأسديون من لبنانيين وسوريين على السواء، يحيكون يومياً من مواجهة المؤامرة حبالاً في الهواء لإنقاذ النظام. الاعتماد على مقولة إنّ موسكو قرّرت أن مسألة بقاء الرئيس بشار الأسد خط أحمر، تدفعهم لصياغة حلول دولية تضع القوى الدولية والإقليمية كلها في خدمة بقاء واستمرار بشار الأسد في الرئاسة. أن تصبح سوريا ملعباً يذكّر بلبنان الملعب منذ العام 1975 حتى خروج الجيش السوري عام 2005، أصبح أمراً عادياً للأسديين. أن يكون القرار السوري بيد موسكو أصبح أيضاً طبيعياً. المهم أن يبقى الرئيس بشار الأسد والنظام الأسدي إلى الأبد. الصيغة ليست مهمّة، النتيجة هي الأهم.
الأسديون المتطرفون يؤكدون أنّ توافقاً روسياً أميركياً تركياً إيرانياً قد تمّ التوصل إليه. أبرز نتائجه بقاء الأسد رئيساً يقود عملية الإصلاح التي تبدأ بتشكيل حكومة للمعارضة نصف المقاعد والباقي ومن ضمنه وزارات السيادة للأسد، وأن يكون رئيس الحكومة أحد المعارضين المقبولين من وزن حسن عبدالعظيم (علماً أنّ عبدالعظيم ازداد في الفترة الأخيرة راديكالية) وأن تجري انتخابات رئاسية عام 2014 لدى انتهاء ولاية الأسد، حيث يحق له الترشح للانتخابات. ربما ينافسه علوي أكثر شعبية. الذي يحصل على الأغلبية يفوز ويجدّد. وإذا كان الأسد هو الشخصية التي تتمتع بأغلبية 13 مليون سوري، فليبق حتى العام 2018. أما الذين قُتلوا أو سُجنوا أو عُذِّبوا فإنّ عليهم مشاركة فرح الأسديين، بسقوط المؤامرة الخارجية ضدّ قيادة الممانعة والمقاومة.
الأسديون المعتدلون (إذا كانوا فعلاً معتدلين) يشيرون إلى أنّ مفاوضات جدّية على سلّة كاملة من بينها سوريا وبقاء الأسد وإلغاء طلب التنحّي تجري بين أطراف عديدة وعلى محاور عدّة من بينها مفاوضات: روسية أميركية، وثانية روسية أميركية سورية وثالثة روسية إيرانية أميركية ورابعة روسية أميركية تركية، لم تنتهِ المفاوضات، لكنها جدّية. البند الأساسي فيها بقاء الأسد والاعتدال، كأن يعيد علاقاته مع إيران إلى المربّع الأول الذي وضع أسسه والده الرئيس حافظ الأسد بالتوازن مع العلاقات بالدول الخليجية العربية والاعتدال العربي.
أين الشعب السوري في كل هذه المفاوضات؟ لا أحد من الأسديين يذكره. هذا الإنكار وحده يؤكد أنّهم والنظام لم يتعلّموا شيئاً بعد أكثر من عشرة أشهر من الانتفاضة والثورة. المراهنات كبيرة. حلب دخلت أخيراً عمادة النار وسقط فيها أكثر من خمسة شهداء. المؤكد أن الشعب السوري لن يرجع إلى الوراء. عرف الشعب طريقه.
سنة حلوة يا مصر.. عاجلاً أم آجلاً عقبال سوريا.
[email protected]
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.