8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

11 شباط يوم تغيّرت فيه المنطقة

11 شباط، يوم استثنائي في تاريخ منطقة الشرق الأوسط والوطن العربي. قبل سنة، تنحَّى الرئيس حسني مبارك وانتصرت ثورة 25 يناير في مرحلتها الأولى. وقبل 33 عاماً انتصرت الثورة في إيران وقامت بعد ذلك الجمهورية الإسلامية. وفي هذا اليوم، يكون قد مرَّ على الثورة في سوريا 11 شهراً تقريباً، والسوريون يخرجون إلى الشوارع بتصميم غير مسبوق رغم استخدام النظام الأسدي المدفعية الثقيلة ضدّهم.
الأسئلة كثيرة، لكن السؤال الكبير يبقى: ما هو مستقبل ثورة 25 يناير وما هي طبيعة دولة الثورة قيد التشكُّل؟ وماذا بقي من الثورة الإسلامية، وأي مستقبل للجمهورية الإسلامية في إيران؟ وماذا عن الثورة في سوريا، هل هي على طريق الانتصار أم الوأد تحت ركام المباني المهدَّمة والدماء المهدورة والموقف الروسي الداعم للنظام الأسدي؟
سنة واحدة على ثورة 25 يناير في مصر، غير كافية لرسم خريطتها ومستقبلها. لكن من الضروري القول إنّ الثورة لم تكن نتاجاً لثورة إيران كما حاول المرشد آية الله خامنئي تصويرها، وإنّما وقعت لأسباب داخلية صرفة لا علاقة لها بالاشتباكات الخارجية سواء اتفاقية كامب دايفيد أو تقسيم السودان ووضع الجنوبيين ومعهم الإسرائيليون يدهم على وريد الحياة في أعالي النيل. لقد وقعت الثورة بسبب التصحير السياسي الذي ألغى عملياً كل القوى الفاعلة والمؤثّرة بالوجود والعمل والتأثير والمشاركة في صياغة مستقبل مصر من جهة، ونتيجة للتجويف السلطوي الذي جعل حسني مبارك فرعوناً يحكم مصر ثلاثين عاماً، ويفكّر ويعمل لتوريث ابنه جمال.
مصر في السنة الثانية من الثورة، تعيش على وقع تشكُّل جمهورية الثورة. هذه العملية هي محور الصراع المستقبلي بين القوى الموجودة والقوى الصاعدة. الإسلاميون نجحوا في وضع يدهم على السلطة، لكنّ أمامهم رقيبين وتحدّيات داخلية وذاتية ضخمة.
الرقيبان هما العسكر الذين- وهم يريدون المحافظة على مواريث العقود الستة الماضية- يجدون أنفسهم تحت ضغط المجتمع المدني الذي يريد أن يضعهم تحت رقابة الدستور والنظام؛ ولأنّ المجتمع المدني وتحديداً الشباب منه، يعرفون جيداً رفض العسكر لهذه الرقابة، فإنّ الاحتكاكات ستكون عديدة ومتزايدة. الرقيب الثاني هو الإسلاميون وتحديداً الاخوان المسلمين، لأنّ السلفيين كانوا وسيبقون تحت قبعة العسكر انطلاقاً من تسليمهم الفكري بضرورة عدم مخالفة الحاكم مما وفَّر لهم التمدّد تحت رقابة الأجهزة الأمنية إضافة إلى استخدامهم الدائم لخطاب شعبوي يلاقي صدى داخل شرائح واسعة من الفقراء المحبطين. أما الاخوان المسلمين الذين تحوَّلوا في أقل من شهر واحد بعد خمسة عقود من تنظيم سرّي ولكن شبه علني (كان لهم نوّاب في مجلس الشعب حتى 2010) إلى جماعة مدنية تتعامل مع الدولة وتدير الآن دولة وأجهزة أكبر منها لأنّ البيروقراطية في مصر أضخم منها ومن كل الأنظمة التي سبقتها. هذا الدور الجديد والكبير عليها حالياً إلى جانب الانفتاح على الفضاء الخارجي بعد الانغلاق والسرّية لا بد أن يؤدي إلى تبلور الخلافات المتعدّدة إلى شروخ، فانشقاقات، فتطوُّر، على غرار التجربة التركية من الأربكانية إلى الاردوغانية، أو الدخول في صدام مع العسكر وتكرار سيناريو 1954 وما تبعه مع جمال عبدالناصر.
أما إيران، فإنها بعد 33 سنة على الثورة، تبدو وكأنّها تغزو الفضاء وتتخلّى عن الأرض. إيران اليوم تتعسكر تحت وطأة الحصار والمقاطعة، ولكن أيضاً لأنها تريد أن يكون لها دور أكبر من الممكن في صياغة سياسات المنطقة وحتى العالم، في وقت توجد إلى جانبها قوى اقليمية مهمّة هي تركيا وإسرائيل ولاحقاً مصر عندما تستقر دولة الثورة، لها مواقعها وأدوارها القائمة.
لا شك أنّ الثورة التي قادها الإمام الخميني تتعرّض للتجويف المتزايد. هذه الثورة التي أرادت أن تتفاعل مع شعوب المنطقة، وهي عربية بمعظمها، لتقوم الثورة الإسلامية الشاملة، تراجعت وهي حالياً سببت لدولة الثورة القلق والحذر منها وصولاً إلى برودة شاملة أصبح معها السؤال: إلى أي مدى يمكن أن تتحوّل هذه البرودة إلى عداء صدامي؟
الأخطر حالياً أنّ الثورة في إيران تواجه تحدّياً ضخماً نتيجة للصراع الدائر بين المبادئ والمصالح. إيران الثورة يجب أن تقف مع كل الشعوب المقهورة والمواجهة للظلم، وهي إذ أيَّدت ثورات الربيع العربي، فإنّ مصالحها الاستراتيجية ضربت مبادئها في سوريا. ذلك أنّ خوف إيران من خسارة حليفها الاستراتيجي الرئيس بشار الأسد، وهو مصلحة استراتيجية لها، تضحّي بمبادئها وتعارض إرادة الشعب السوري بالتغيير والحرية. هذه المعارضة تضرب في الوقت نفسه موقف الإمام الخميني التاريخي المتعلق بوحدة المذاهب الإسلامية. لأنّه للأسف شاء النظام الإيراني أم لم يشأ، فقد دخل في خصام واضح ومؤلم مع السنّة في سوريا، ومستقبلاً إذا انتصرت الثورة أو خسرت فإنّهم لن يغفروا لإيران موقفها مما سينتج عنه علاقات سيئة وأحقاد عميقة.
يبقى أنّ الثورة في سوريا قد وصلت بعد 11 شهراً إلى معادلة صعبة جداً وهي انّ الشعب السوري لم يعد يريد الأسد، والنظام الأسدي لم يعد قادراً على حكم الشعب السوري. مما يؤكد على أنّ الطريق مسدود، ولا يمكن التوصّل إلى حل وسط حتى ولو تدخَّل العالم كله. ليست المسألة فقدان الثقة، وإنما خوف كل طرف من الطرف الآخر. لعل ما فعله الأسد بعد دخول روسيا على خط الأزمة ودعمها للنظام على حساب الشعب السوري ما يؤكد ذلك. الأسد عمد إلى الدوس على دواسة بنزين آلة القتل بدلاً من الاعتدال وفتح الباب أمام التهدئة فالحوار. لذلك، فإنّ المواجهة مفتوحة على مزيد من الدمار والدماء. وفي قلب هذه المأساة تدور لعبة دولية قاعدتها المواجهة بين المصالح والإرادات.
11 شباط يوم جديد في مسار طويل، جرى فيه منذ البداية كسر كل الإشارات الحمراء.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00