في مطلع شهر رمضان، أوفد نوري المالكي موفداً الى الرئيس بشار الأسد. حمل الموفد رسالة أميركية واضحة ومباشرة. رسمت الرسالة مشروع حل للأزمة التي كان قد مضى على اندلاعها خمسة أشهر ولم يكن فالق الزلزال الشعبي قد فاض بعد بدماء الريف السوري، ولم تكن مطالب الشعب السوري قد اخترقت سقف النظام، فلا السوريون حسموا نهائياً بضرورة إسقاط النظام، ولا واشنطن طالبت بعد بتنحي الأسد. الحل كما يؤكد عراقيون مطلعون يقضي ببقاء الأسد في الرئاسة مع إجراء إصلاحات واقعية منها تعيين رئيس وزراء مقبول من المعارضة والأسد. لم يكن الاسم المطروح مختلفاً عن اقتراح وزير الخارجية التركية داوود أوغلو، أي حسن عبد العظيم، وأن تكون الحكومة المشكّلة مختلطة ومتوازنة، من خلال ضم بعض المعارضين اليها. طبعاً يضاف الى ذلك تعديلات دستورية لا تخرج أبداً عما قبِلَ به الأسد بعد ستة أشهر، وبعد أن فاضت دماء السوريين، حتى لم يعد العالم يستطيع الصمت، مثل إلغاء المادة الثامنة والأخذ بالتعددية الحزبية والسياسية.
رفض الرئيس الأسد المبادرة العراقية الأميركية. المالكي ومَن في بغداد، شعروا بالقلق، لأنهم لا يريدون أن يروا أنفسهم وسط ضغوط متبادلة ايرانية وأميركية، الى جانب مواقف عربية مضادة، في وقت تقف فيه بغداد على قاب قوسين من تسلم رئاسة الجامعة العربية من قطر لدى انعقاد القمة العربية فيها في 23 آذار المقبل. حصل ما توقّعه العراقيون، وهم يعملون حالياً على إعادة تموضع موقفهم بحيث لا يدفعون ثمن مواقف الأسد.
يخوض الرئيس بشار الأسد سباقاً مع الوقت، بعد أن كان الجنرال الوقت أفضل جنرالاته. يريد أن ينهي ما يسميه التمرد المسلح وأن يكون ذلك بتغطية كاملة بتنفيذ تعديلات بناءً لطلب روسي منه. المفترض أن يجري استفتاء شعبي على الدستور الجديد في 26 من الشهر الجاري. ليس مهماً من سيشارك في الاستفتاء ولا الاعداد. المهم حصوله على نعم ترضيه والروس معاً في مواجهة السوريين والعالم معهم.
تقف الثورة في سوريا، رغم أنها تنتشر حالياً بسرعة على كامل النسيج السوري، أمام حائط مسدود. انتصار الثورة ليس مرسوماً كما يبدو بسرعة. يتطلب انتصار هذه الثورة، بعكس الثورات العربية، تضحيات أكبر من السوريين، لأن سوريا ليست ليبيا التي احتفلت أمس بمرور سنة كاملة على اشتعالها ومن ثمّ انتصارها على النظام العجيب والغريب لمعمر القذافي. المشكلة ليست فقط في وجود النفط أو غيابه. الأساس أن موقع سوريا خطير وحساس، والنظام الأسدي، وعلى رأسه بشار الأسد، لديه الاستعداد والرغبة في إحراق سوريا والمنطقة معها قبل رحيله.
باختصار شديد، هذه الحالة السورية الخاصة جداً، وحتى النادرة، جعلت من كل الأطراف الداخلية والاقليمية والدولية قوى مأزومة. بعض التفاصيل من القريب الى البعيد تؤكد ذلك.
[لبنان الحلقة الأقرب والأضعف، يعيش على وقع مراهنة القوى المتواجهة على انتصار الأسد أو بالعكس الثورة، لفرض موقفه وفي أحسن الأحوال لرؤيته لصيغة لبنان الجديد. تعديل موازين القوى لصالح أي طرف لن يبني لبنان المستقر، لأنه لا حل دائما يقوم على غالب ومغلوب. ما نفع أي قوة في لبنان أن تربح سوريا وتخسر لبنان؟.
[روسيا، مأزومة، لأنها ربحت النظام الأسدي وخسرت الشعب السوري وباقي الأنظمة العربية الجديدة والقديمة منها على السواء. يراهن فلاديمير بوتين كثيراً من خلال موقعه في سوريا على استنهاض الشعور الوطني الروسي. يجب انتظار اعادة انتخابه في الشهر المقبل لمعرفة كيفية تعامل بوتين في مواجهة المعادلة التي رسمها المرشح بوتين.
[ الرئيس باراك أوباما يريد الآن بعد تردد طويل تنحي الرئيس بشار الأسد شرط عدم تكرار تجربة العراق. يريد أوباما وهو على مشارف الانتخابات الرئاسية، أن يعرف البديل في سوريا، حتى يذهب بعيداً في مواقفه من التغيير فيها.
[ نيكولا ساركوزي الرئيس الفرنسي المرشح لولاية ثانية، يعرف جيداً أنه لا يستطيع تكرار تجربة ليبيا في سوريا، في الوقت نفسه لا يمكنه الوقوف مكتوف اليدين، لذلك كله يعمل على خلق آلية جديدة تخرجه من مغطس الشلل الواقع فيه. وهذا بلا شك يتطلب بعض الوقت لبلورة مفاعيله.
[تركيا تريد التغيير في سوريا، وهي عرفت بالتجربة، أن النظام الأسدي غير قابل للاصلاح. المشكلة أنها تأكدت أيضاً أن انخراطها الكامل تكلفته عالية ونتائجه غير مضمونة، لذلك تراهن على موقف عربي متطور، تشكل رافعة له وفي الوقت نفسه تكون درعاً له.
[ايران أزمتها كبيرة. سقوط النظام الأسدي خسارة استراتيجية لها. في الوقت نفسه لا يمكنها أن تكون أسدية أكثر من الأسد نفسه. ايران براغماتية لذلك تركت الباب مفتوحاً ولو مواربة مع الاخوان المسلمين على أمل أن يشكلوا في حالة التغيير خشبة إنقاذ لعلاقاتها مع سوريا الجديدة.
[إسرائيل مترددة بين الاستمرار في قبول النظام الأسدي، الذي وفّر لها عقوداً من الاستقرار والأمن في الجولان، من جهة، وعدم الاطمئنان للقادمين الجدد. لذلك التزمت الصمت حتى قبل أسابيع قليلة: أكثر ما ترغب به بقاء نظام الأسد نظاماً ضعيفاً غير قادر على المطالبة بشيء. أما ما يعانيه السوريون فإنه آخر همومها.
كون جميع الأطراف مأزومة، لا يعني أن الحل مستحيل. أهل حمص الظرفاء رغم تحويل مدينتهم الى مدينة جريحة يروون:
أن معلمة سألت طلابها: اعطوني مثلاً على شيء بيطير وبيعلّي. أجابها التلميذ الأول: العصفور، والثاني النسر، والثالث الوطواط. تلميذ متكور في الزاوية خوفاً من القصف والرصاص أجابها: معلمتي، الأسد. فصرخت به الأسد لا يطير.. أجابها بثقة انتظري كم شهر وبيطير...
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.