مطالبة المعارضات السورية بالوحدة والانصهار في مجلس واحد، لمواجهة النظام الأسدي من موقع قوّة، مطلب صعب جداً إن لم يكن مستحيلاً. وجود خلافات سياسية وفكرية وحتى شخصية بين مكوّنات المعارضات السورية وقياداتها، طبيعي جداً. الخطوة الأولى الملحّة، أن يحقّق كل مُكوّن أو تنظيم من المعارضات مزيداً من التواضع. ليس بقدرة أي تنظيم أو مسؤول مهما علا شأنه، الإدّعاء بقدرته على تحقيق الانتصار وإسقاط النظام الأسدي وحده. أيضاً لا يمكن لأي تنظيم أو مجموعة الإدّعاء بتمثيل الثورة تمثيلاً احادياً واسعاً وشاملاً، وعميقاً للشعب السوري الثائر.
مطلوب وبسرعة شديدة أن يكون لكل هذه المعارضات بوصلة واحدة، تدلّهم على الاتجاه الصحيح من أجل التغيير. تكاد سنة كاملة تنتهي على ثورة الشعب السوري. لقد أثبت هذا الشعب، خصوصاً في ريف سوريا، على طول القوس الممتد من البوكمال إلى حمص، أنّه صلب ومقاتل وقادر على تحمُّل كل جبروت النظام الأسدي. لم يكن صمت الشعب السوري على النظام الأسدي لأنّه كان معجباً بالاستقرار الذي فرضه عليهم بالنار والحديد. حوَّل هذا النظام سوريا إلى مستنقع تراكمت فيه كل المظالم وإرهاب المخابرات وتحويل المعتقلين خصوصاً المثقفين منهم إلى أرقام يخاف حتى أهاليهم من ذكرها علناً. كما جرى رفد هذا المستنقع بعملية واسعة من التصحير السياسي. فقتل كل معارض وصولاً إلى مجزرة حماة التي يكرّرها الابن بصورة أبشع ضدّ حمص. لذلك من الطبيعي أنّ تتبلور المعارضة الشعبية من جهة في مقاومة غير مسبوقة في الشوارع وفي انقسامات بين قوى خرجت لتوّها من الفراغ إلى الهواء الطلق. يجب متابعة ما حدث في مصر بعد 25 يناير، من توالُد منظمات وهيئات ومجموعات سياسية وثورية، فور سقوط النظام المباركي وعودة الروح إلى الحياة السياسية المصحرة، حتى لا يُحبط أحد.
مؤتمر أصدقاء سوريا الذي سيُعقد في تونس بعد ثلاثة ايام، قد لا يكون على مثال مؤتمر لندن للمعارضات العراقية، الذي انتهى بالتوافق على الحد الأدنى للدخول في الحرب الأخيرة ضد النظام الصدّامي. انقسام المعارضات العراقية، كان أكثر حدّة وعمقاً. أيقن الجميع من عراقيين وقوى اقليمية ودولية أنّ وحدة هذه المعارضات مستحيلة. الخلافات السياسية والايديولوجية كانت وما زالت حتى بعد وصولها إلى السلطة أعمق بكثير مما بين مكوّنات المعارضات السورية، لذلك فإنّ مؤتمر تونس هو بداية وليس نهاية، إنّه خطوة على طريق توحيد بوصلة المعارضات.
يجب عدم إنتظار المعجزات من مؤتمر أصدقاء سوريا. العيون بصيرة جداً، والأيدي قصيرة أيضاً. المتحمّسون لهذا المؤتمر ومنهم فرنسا، يرون أنّ قرار الجمعية العمومية للأمم المتحدة شكّل شرعية دولية رغم معارضة روسيا والصين والدول الأخرى، يمكن التأسيس عليها، والانطلاق منها. إذا اتفق المشاركون على إنشاء مجموعة اتصال قوية ومتماسكة وتملك الصلاحيات للعمل بجدّية فإنّ خطوة كبيرة تكون قد تحقّقت. القطيعة التي حصلت بين مصر وسوريا بعد أشهر من الصبر، تدعم هذا التوجُّه وغيره. العرب أصبحوا كتلة واحدة، باستطاعتهم أن يشكّلوا رافعة قويّة لأي عمل دولي قادم.
القلق الحقيقي أن تشارك موسكو وأن تعمل لنخر المؤتمر بدعاوى المحافظة على الاستقرار في المنطقة. كل ما تريده إبقاء سوريا ونظامها الأسدي ورقة بيدها يستطيع القيصر الجديد فلاديمير بوتين التفاوض مع واشنطن من موقع قوّة، وذلك بعد انتخابه رئيساً لولاية جديدة.
التهديدات يوميّة، بأن تجتاح الحرب الأهلية سوريا، وتتسرّب كل المياه الآسنة المجمّعة في المستنقع باتجاهات مختلفة في المنطقة. ما يجري حالياً أخطر بكثير من الحرب الأهلية. تكاد تتحوّل سوريا إلى بوسنة جديدة، حيث عدم التكافؤ في قوّة النيران واضح ومأسوي. أكثر من ذلك، بوسنة جذبت الحسم بينما سوريا تبدو خارج كل توقعات الحسم العسكري، لأنّ الجميع خائف أو متردّد من الانزلاق في هذا المستنقع. في الواقع لقد مضت أربعون سنة والنظام الأسدي يهدّد المنطقة خصوصاً العرب بالحروب، لا بل مارس ضدّهم كل أنواعها، في حين أنّه استنكف عن مواجهة إسرائيل مباشرة. ارتهن النظام الأسدي الآخرين وحارب بهم، وادّعى التمثيل الكامل للممانعة والمقاومة. والأسوأ أنّه وجد مَنْ يصدِّقه وينشر هذا الادّعاء الذي استثمره لمصلحته وجعل الآخرين من لبنانيين وفلسطينيين وعراقيين يدفعون الأثمان غالية من دمائهم وأموالهم وممتلكاتهم. حان الوقت لوقف هذه الكذبة الكبيرة، حتى لو حصلت بعض التوتُّرات والتضحيات. ان يدفع المرء ثمناً مرّة واحدة أفضل مليون مرة من أن يستمر طول عمره يدفع تحت التهديد والترهيب.
تظاهرة المزّة، خط فاصل في الثورة، بعدها غير ما قبلها. بعيداً من عقدة عدد المتظاهرين، يكفي أنّ الرئيس بشار الأسد قد رأى من نافذة قصره، الرجال والنساء يتظاهرون تحت الثلوج وهم لا يملكون غير حناجرهم وشجاعتهم، بعد أن كسروا التردّد والخوف.
التغيير قادم، وهو عظيم جداً. يكفي أنّ اليمنيين سيتعرّفون إلى صناديق الاقتراع وهم الذين لم يعرفوها، حتى ولو كان الحل اليمني حلاً وسطياً فإنّه يشكِّل خطوة عظيمة إلى الأمام.
بَوْسَنة سوريا لن تقع. والحرب الأهلية لن تقع حتى لو وقعت صدامات بين النظام الأسدي والمدافعين عن مدنهم وأملاكهم وأعراضهم. والتغيير حاصل في سوريا. النظام الأسدي في موت سريري لأنّه بحاجة إلى الروس والصينيين والإيرانيين لحمايته بعد أن استحكم العداء بينه وبين شعبه، لأنه لا يمكنهم أن يعيدوا ورق الخريف إلى الأشجار العارية.
الربيع وحده هو الذي يلبسها الأخضر ويجعلها تزهر.. وهو قادم.
[email protected]
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.