8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

حان الوقت لـنقل السلطة طوعاً أو كَرهاً

قَلَبَ الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي الطاولة، واضعاً الدول الغربية والعربية على السواء، أمام التحدّي الكبير وهو: كيفية إنقاذ الشعب السوري من نظام فَقَدَ شرعيته وأصبح أشبه بسلطة احتلال، وليس دعمه فقط بالتضامن والخطابات والمساعدات الإنسانية التي لن تصل إلا بموافقة النظام الأسدي الذي لن يقبل لأنّه بذلك يدين نفسه بنفسه، فهو لا يقتل المدنيين ولا يحاصرهم كما يردّد وينشر، وإنما يحارب الإرهابيين.
مؤتمر أصدقاء سوريا في تونس، عقد رداً على الفيتو الروسي الصيني المشترك. العجز عن تجاوز موقف موسكو وبكين، فرض الخطوة السياسية التي ترجمت في تونس، مركز التقاطع الفرنسي العربي الأميركي قبل الثورة وبعدها. عملياً، يتم تشكيل قوّة ضغط دولية قادرة على العمل ولو بحدود خارج الأمم المتحدة إلى حين. الفيتو الروسي زائد التصعيد العسكري الأسدي وضع الجميع في تونس أمام سؤال حقيقي وهو: ما هو العمل الممكن لحماية الشعب السوري؟
من الواضح أنّ العجز هو سيّد الموقف. واشنطن وباريس لا تريدان الانزلاق إلى مغطس المواجهة العسكرية. الأسوأ أنّ القيادة العسكرية الأميركية عمدت إلى كشف أوراقها بدلاً من أن تلتزم الصمت، فشجعت النظام الأسدي عملياً على الذهاب إلى أبعد ما يستطيع وبأسرع ما يمكنه دون النظر إلى الكلفة البشرية. يريد الرئيس بشار الأسد ونظامه الحسم ويعملان له. يعتقد الأسد أنّ الرياح الباردة وراء الباب. يكفي الصمود بضعة أسابيع، حتى تمر الرياح الباردة وتطفئ نار الربيع. آلة القتل والتدمير كفيلة بإخماد الجبهات، وإجراء بعض الإصلاحات التي كان يجب أن تكون قبل سنوات وحتى قبل 11 شهراً يمكن أن ترضي البعض وتتحوّل إلى رماد تزرّ فيه موسكو عيون المجتمع الدولي. ولا شك انّ الدستور الجديد والاستفتاء عليه هو افضل أنواع هذا الرماد، لأنّه جرى وضع الدستور وكأنّه قضية تقنية يمكن التلاعب بها وليس عملية متصلة بالتطوّر السياسي الذي يحقّق تغييراً عميقاً ينتج عنه إقامة مجتمع حرّ متعدّد ومكوّناته متساوية في الحقوق والواجبات. لذلك، في وقت يتعامل فيه النظام الأسدي مع حمص الشهيدة ودرعا وإدلب والبوكمال وحماه بالمدفعية الثقيلة فاكّاً بذلك عقدة النظام من الوالد إلى الابن في الصمت المتعمّد لهذه المدفعية على جبهة الجولان، فإنّ حصول الدستور الجديد ولو على 99% من أصوات السوريين، لن يغيّر ذلك شيئاً من الواقع وهو أنّ كل ما يأتي متأخراً لا يحصد من الشروط الأولى أن يتم الزرع في وقته لكي يكون الحصاد منتجاً في وقته.
من علائم الزمن الأسدي الآتي كما يرى الأسديون، انّ فلاديمير بوتين النصير الأول للأسد سيُنتخب بعد أسبوع، والرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي سيسقط ولن يتم التجديد له في الرئاسة، وباراك اوباما يقف على حافة السكين، وإيران صامدة وتعمل على دعمه ليلاً ونهاراً لأنّه جزء اساسي في المواجهة الواسعة مع الولايات المتحدة الأميركية. هذه التقديرات قائمة، لكن كما يُقال روما من فوق ليست مثل روما من تحت. بوتين الرئيس غير بوتين المرشح، وهو في كل نشاطه لا يحمل فكراً ايديولوجياً يجعله يناضل حتى ينتصر. في النهاية الواقعية السياسية هي التي تصنع مواقفه. أيضاً بديل ساركوزي أي فرنسوا هولاند لن يكون أقل منه تصلباً في مواجهة الجرائم ضدّ الشعب السوري، وبديل اوباما إذا فشل سيكون جمهوريا أكثر تشدّداً وتصلباً ضدّه وضدّ إيران.
سوريا في قلب مواجهة اقليمية دولية، الهدف منها لم يعد فقط مستقبل الشعب السوري، وإنما أيضاً مستقبل قوى أساسية في صياغة السياسة الدولية. موسكو، كما نقل عن مسؤول كبير فيها، ترى أنّ اتفاق سايكس بيكو قد انتهى، وأنّ الوقت حان لصياغة اتفاق جديد، تكون حاضرة فيه، لأن سوريا أصبحت دوفاكتو لها ومعها وليس كما حددها الاتفاق القديم عند فرنسا.
مهما يكن الطموح الروسي كبيراً، فإنّ المواجهة ليست لكسر الإرادات، وإنما لليّ الأذرع وتحقيق كل طرف نسبة أكبر من المتغيّرات والتركيبات الوليدة. لذلك فإنّ تصعيد الموقف خصوصاً من جانب السعودية يساهم بقوة وفعالية في تغيير المعادلات، لأنّه يضع الجميع خصوصاً واشنطن وباريس وأنقرة وبعض الدول العربية في زاوية لا يمكن الخروج منها من دون قرار جدّي أول بند فيه إنقاذ الشعب السوري من آلة القتل الأسدية ونقل السلطة طوعاً أو كَرهاً.
[email protected]

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00