الحدث الإيراني، حدث شرق أوسطي بامتياز. الانتخابات التشريعية التي جرت أمس، استحقاق إيراني داخلي، ستظهّر حكماً تفاصيل المتغيرات الداخلية وتوازناتها، وسيبنى على مقتضاها في المدى المنظور مستقبل الكثير من التطورات وحتى التحولات في المنطقة.
من السهل جداً، القول إن هذه الانتخابات لن تحمل جديداً الى الحياة السياسية ولا الى تركيبة النظام الإيراني. لكن هذا التسرّع لا يعفي من المسؤولية، مسؤولية البناء على المعرفة. من دون القراءة العميقة والمعمّقة للنتائج، حتى ولو كان بعضها مرسوماً قبل فرز الأصوات، لا يمكن معرفة ماذا يحصل داخل إيران العميقة أو بالأحرى وراء الجدران المتعددة، نتيجة لتركيبة النظام الإيراني المعقدة.
ايضاً، الأسهل من تجنب قراءة هذه الانتخابات ممارسةً ونتائج، القول إن غياب أو تغييب الإصلاحيين عن الانتخابات ينفي أهميتها. الإصلاحيون أثبتوا في الانتخابات الرئاسية عام 2009 أنهم موجودون في طهران وبعض المدن الكبيرة، وانهم مزروعون بقوة في قلب نسيج المجتمع الإيراني خصوصاً عند شرائح الطبقة المتوسطة التي تشكل حلقة القطع والوصل في التفاعلات وعمليات التغيير، وبالتالي في تنشيط الحراك الشعبي كما حصل في تظاهرات الانتفاضة الخضراء عام 2009. الإصلاحيون حاضرون رغم غيابهم عن المشاركة في الانتخابات. مجرد إمتناع ترويكا قيادة الإصلاحيين المشكّلة من: الرئيس السابق محمد خاتمي والمرشحَين مير حسين موسوي والشيخ مهدي كروبي عن الدعوة للمشاركة في الاقتراع، والإحراج الذي سبّبوه للقيادة الإيرانية، يعني أن صمتهم هو اقتراع خارج صناديق الاقتراع ضد كل سياسة النظام القائم.
لقد بلغ احراج النظام من هذا الموقف أن المرشد آية الله علي خامنئي أوفد ابنه السيد مجتبى خامنئي الى مير حسين موسوي الموجود في الاقامة الجبرية منذ سنة كاملة، ليطلب منه دعوة أنصاره للاقتراع. موسوي اختار شكلاً لرفض الدعوة أقسى من الرفض، إذ طالب الابن بأن يجمعه بوالده المرشد وحدهما من دون كاميرات وأجهزة تنصت. طبعاً لم يلقَ الطلب قبولاً، لأن ترجمته العملية أن المرشد، الذي أيّد انتخاب أحمدي نجاد رئيساً لولاية ثانية على حساب موسوي، وما صاحب تلك المرحلة من رفض للنتائج، يقدم اعتذاره الضمني إليه.
خروج الإصلاحيين من المنافسة، يجب ان يسهل الانتخابات، لأن المنافسة في هذه الحالة غير موجودة. ما حصل العكس. المنافسة قوية داخل بيت المحافظين المتشددين الذين يطلق عليهم بسهولة الأصوليين. هنا بيت القصيد كما يُقال.
المنافسة تصل الى حد الصراع من أجل البقاء، رغم النفي العلني لقادة هذا التيار مشاركتهم. بكلمة أوضح، الصراع أصبح مكشوفاً بين المرشد آية الله علي خامنئي والرئيس أحمدي نجاد، لأنه يشكل معركة لإلغاء أحمدي نجاد بمختلف التسميات والمسمّيات من جهة، ومن جهة أخرى معركة للقول إن المرشد وإن كان يملك ويحكم إلا أنه لم يعد هو كل شيء. في قلب هذا كله يقع مستقبل النظام شكلاً ومضموناً ونهجاً سياسياً واجتماعياً واقتصادياً.
الجبهة المتحدة للأصوليين، قائمة يرأسها غلام حداد عادل رئيس مجلس الشورى السابق الذي تربطه بالمرشد علاقة مصاهرة عائلية. في مواجهتها قائمتان: جبهة التوحيد والعدالة التي يتزعمها اسفنديار رحيم مشائي المتهم بأنه زعيم تيار الانحراف رغم رفضه لذلك، وقد جرت عملية تصفية واسعة للمرشحين المحسوبين على هذا التيار عبر مصفاة مجلس صيانة الدستور بحجة أنهم لا يحوزون على شروط الالتزام الإسلامي، علماً أن بعضهم كانوا نواباً في المجلس السابق. أما اللائحة الثانية فهي: جبهة الاستقامة بزعامة الشيخ المتشدد مصباح يزدي الطامح لخلافة خامنئي. طبعاً، يمكن اضافة لوائح أخرى الى اللوائح الثلاث منها واحدة بزعامة علي لاريجاني رئيس المجلس المنتهية ولايته، ويبدو أن اسهمه تراجعت كثيراً بعدما كان أبرز الشخصيات الصاعدة والفاعلة، ولائحة جبهة الصمود برئاسة الجنرال محسن رضائي، الذي يحذر كثيراً من الوضع الاقتصادي.
أما الجديد، فهو ظهور علي مطهري ابن آية الله مرتضى مطهري الذي قتل في أوائل الثورة، وهو أحد أبرز قيادات الثورة إذ يرأس في طهران لائحة صوت الشعب، ذلك أن مطهري هو الوحيد الذي يطرح بعد سنوات من التصحّر الفكري، طرحاً جديداً مبنياً على طروحات والده يقول بأن ولاية الفقيه هي ولاية فقه وليست ولاية شخص، وهي لا تتعارض مع حرية الفكر، وإذا ما جرى الجمع بين هذا الطرح والمهدوية رغم تباعدهما، فإن محصلة ذلك أن مستقبل ولاية الفقيه ومقام الولي الفقيه ودوره أصبحا موضع نقاش حقيقي يفتح الباب على مصراعيه على التغيير مستقبلاً، خصوصاً عندما يطرح موضوع خلافة المرشد الحالي.
الجديد أنه يتم تصوير الانتخابات بأنها الردّ الشعبي المباشر على مؤامرة خارجية، وقد وصل الأمر الى دخول المرشد خامنئي طرفاً مباشراً في الحملة بهدف تكثيف اقبال الناخبين على صناديق الاقتراع بحجة أن الاقبال سيمنع الولايات المتحدة الأميركية من تنفيذ تهديداتها في شن هجوم عسكري، فإن علي لاريجاني يعترف بوجود جفاء شعبي، أما رضائي فإنه يرى أن التيار الأصولي يعيش أيامه الأخيرة تماماً كما انحسر التيار الإصلاحي.
حتى ولو نجح النظام في تأطير النتائج وعدم تظهير الحجم الحقيقي لكل طرف من الأطراف، وحتى لو أفرزت النتائج عدم ظهور قوة تضمن الأكثرية مما يسهّل على المرشد اللعب بالتوازنات وتطويع كل القوى لما يرسمه، فإن هذه الانتخابات حساسة ومهمة لأنها خطوة الى الأمام على طريق الانتخابات الرئاسية في العام المقبل، وهي بشكل أو بآخر خطوة اضافية باتجاه تحديد هوية مَن يرث مَن في الجمهورية الإسلامية على مختلف المستويات. بذلك فإن التغيير يدق أبواب إيران بقوة.
[email protected]
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.