أخذت الصين الشعبية قطار الحل السياسي متأخرة جداً. بعد عام كامل على القمع الشامل الذي مارسه النظام الأسدي يومياً وبوتيرة متصاعدة، أوقع عشرات الألوف من القتلى والجرحى والمعتقلين، لا يمكن إعادة عقارب الساعة إلى الوراء. حال الصينيين مثل حال الرئيس بشار الأسد، الذي في كل مرّة طرح شيئاً جديداً جاء متأخراً عدة أشهر، فلا يقنع أحداً بما يريده ويأمله إلاّ الأسديين في سوريا الذين يتناقصون يوماً بعد يوم، والأسديين اللبنانيين الذين يخافون من أن يتحوّلوا إلى يتامى يفتقدون بوصلة الممانعة والمقاومة، التي فعلياً ليست إلاّ ممانعة ضدّ الحرية والمساواة في الحقوق والواجبات، والمقاومة ضدّ التغيير واستمرار إقفال الجولان أمامها إلى الأبد.
رغم غرق فرنسا في الحملة الانتخابية الرئاسية وتقدم القضايا الداخلية في كل النقاشات، فإنّ سوريا ومأساة شعبها واستمرار ديكتاتورية الاسد حاضرة بقوة في كل التفاصيل. باريس كما يبدو ليست مستعدّة للدخول في النقاش حول المبادرة الصينية. المبادرة العربية حاضرة، فلماذا حَرْفُ الجهود عنها. أكثر من ذلك، ان المشروع الذي سيُطرح على مجلس الأمن لا يمكن التخلي عن ثلاث نقاط فيه حتى ولو رفضه الروس والصينيون ورفعوا الفيتو ضدّه، والنقاط هي:
[ المبادرة العربية هي الأساس وتنفيذها هو المطلوب.
[ يجب محاسبة المسؤولين السوريين عن جرائمهم في المستقبل.
[ يجب تأمين وصول التموينات الغذائية إلى المدن والقرى المحاصرة.
توقع باريس استخدام الروس والصينيين الفيتو ضدّ أي مشروع، يؤكد ما يذهبون إليه وهو اليأس من الحل السياسي مع النظام الأسدي. هذا اليأس يعود إلى أنّ النظام نفسه يستغل أي مبادرة للتغطية على تصعيده العسكري. في هذا الجانب، تؤكد مصادر فرنسية وعربية متطابقة ان النظام الأسدي الذي أحال حي بابا عمرو إلى أبنية مهدّمة أو متصدّعة وخالية من السكان هو صورة مصغّرة لما يفعله، وسط صمت مبرمج، في أدلب وقراها المعزولة. وتعيد المصادر نفسها استمرار ضغط النظام الأسدي عسكرياً على حمص وجوارها إلى نقص التموين والتجهيزات العسكرية لأنّ الحدود مع لبنان ممسوكة أمنياً. لكن رغم الوضع فإنّهم لا يشجعون أي طرف على إقحام لبنان في أي مغامرة تؤدي إلى انعكاسات أمنية في داخله، فالنظام السوري مستعد لخوض أي مغامرة علناً أو سراً.
يبدو جلياً من خلال كل هذا أن الأفق يكاد يكون مسدوداً، لكن هذا كله لا يدفع إلى اليأس؛ بالعكس، تتم دراسة واستنباط وسائل أخرى أكثر فعالية، ولذلك فإنّ مؤتمر اسطنبول خلال الأيام العشرة المقبلة، أي في ذكرى مرور سنة كاملة على الثورة، سيكون مهماً جداً يحمل في طياته تقدماً مهماً على أكثر من صعيد، لذلك يتم التحضير للعمل بسرعة على:
[ توحيد المعارضة، ولو على الطريقة الفيدرالية للدول وليس الوحدة الكاملة. ما يساعد على ذلك أن المعارضات السورية، رغم كل الأخطاء والخطايا التي أصابتها أو ارتكبتها حتى الآن، خصوصاً على صعيد العلاقات بين أشخاصها أو أطرافها، تكاد تقترب من وحدة بوصلتها. ذلك أنّ هذه المعارضات لها مطالب واحدة تتمحور حول رفضها للنظام الأسدي، إما مباشرة أو تحت بند تنفيذ شروط أبرزها: إطلاق سراح المعتقلين، والسماح بالتظاهر بعد إيقاف العنف، وسحب القوات بكل انواعها من كافة المدن والقرى.
ولا شك أنّ النظام الأسدي لن يقبل بتنفيذ أي بند من هذه البنود لأنّ معنى ذلك نهايته تحت ضغط حناجر المتظاهرين.
[ رفع منسوب تأهيل وتجهيز القوى المعارضة المسلحة خصوصاً الجيش السوري الحر منه.
[ تشديد العقوبات الاقتصادية، حتى تتفكك شرائح التجار والمستفيدين من علاقاتهم بالنظام، من حول الأسد ومعاونيه.
إلى ذلك، يتزايد الحديث في باريس عن الحل الانقلابي العسكري، علماً أنّ المعلومات المنتشرة تفيد بأنّه جرى تطبيق الوحدات العسكرية سواء العاملة منها عسكرياً، أو القابعة في ثكناتها لضمان عدم تحركها المضاد. إلى جانب ذلك، لا تبدو قوى المعارضة متحمّسة كثيراً لهذا الحل، إلى جانب ان القوى العسكرية المؤهلة للقيام بالانقلاب العسكري تخشى القبضة الحديدية للنظام من جهة، ورفض قوى المعارضة لها من جهة أخرى.
رغم الثقة التي يبديها النظام الأسدي والأسديون معه لأنهم تجاوزوا قطوع السنة، فإنّ القادم سيكون أصعب وأقسى خصوصاً وأنّه من المستحيل أن لا ينتصر طرف على طرف. وفي حالة النظام الأسدي، لا يمكن أن ينتصر، لأن معنى ذلك إلحاق الهزيمة بالشعب السوري أولاً، وأنّ روسيا وإيران قد وجّهتا ضربة قاضية إلى العرب والولايات المتحدة الاميركية وأوروبا ثانياً.
[email protected]
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.