صناعة الانتصارات الوهمية، صناعة سهلة ورائجة. أبرز إنتاجاتها انها تعفي المنتصر الموهوم من مواجهة الواقع، وتدفعه للانزلاق بسرعة أكبر في مسار رسمه لنفسه بعيداً عن وقائع وحقائق الأرض، حتى إذا وقعت الهزيمة كانت المفاجأة صاعقة وباهظة الثمن. هكذا حصل مع العقيد معمر القذافي وأولاده، بقوا يحرّكون الرجال عبر الميكروفونات حتى إذا دخل الثوار طرابلس، تشتّتوا وهربوا ليقبض عليهم ويدفعوا ثمن جرائمهم.
حالياً، الرئيس بشار الأسد ومعه كل النظام الاسدي يعيشون لحظات نصر موهوم. لقد وعد الأسد في أول شباط الماضي بأنه سيحسم عسكرياً في نهاية آذار الماضي، وقد حسم على لسان الناطق باسم وزارة الخارجية. أما سقوط أكثر من 70 قتيلاً في اليوم نفسه فليس إلا فتافيت من بقايا الانتصار لا قيمة لها. الدليل، أنّ الرئيس بشار الاسد ينام العاشرة ليلاً لأنّ ضميره مرتاح جداً لما تقوم به كتائب الأسد في حمص ودرعا وحماه وادلب وغيرها من المدن والقرى السورية، وإذا لم تكن المسألة مسألة ضمير، فإنّ الانتصار كافٍ لمثل هذه السكينة النفسية.
النظام الأسدي، صَمَدَ سنة كاملة ولم يسقط. لكن أيضاً الشارع السوري صَمَدَ سنة كاملة في مواجهة آلة القتل والتدمير والاعتقالات والتعذيب ولم يتراجع ولم يخف من الموت. الكلفة العالية التي دفعها السوريون حتى الآن واستمرارهم في التظاهر والمواجهة، تؤكد أن لا عودة إلى الوراء، لأنّ كلفة العودة أكبر بكثير من الصمود والتصعيد. مثل النظام الأسدي الذي ينتشي بالنصر وهو مهزوم لأنّه يستمر في قتل شعبه، لن يتوانى عن أي شيء في الداخل والخارج معاً. يعتمد النظام الأسدي في تصعيده على:
[الموقف الروسي ـ الصيني المتصلّب في مواجهة باقي المجتمع الدولي.
[الصخرة الإيرانية التي تجد في سقوط النظام الأسدي خسارة استراتيجية لها كدولة طامحة للإمساك بالجزء الأساسي من القرار الاقليمي في الشرق الأوسط وامتداداً إلى دول آسيا الإسلامية.
[التردّد الأميركي وميوعة قراراته، لأنّ باراك اوباما دخل في المعركة الانتخابية وليس من مصلحته، وهو يحول دون قيام إسرائيل بحرب، أن ينزلق نحو حرب أهلية مصطنعة في سوريا.
[انّ تركيا تحوّلت إلى نمر من ورق، بعد البرودة الأميركية والقلق من انعكاسات الحالة السورية على موقف العلويين وإمكانية تحريك الساحة الكردية.
[انّ إسرائيل لم تحسم موقفها وهو مهم لأنه ينعكس سلباً أو إيجاباً في داخل غرف القرار الأميركي. إسرائيل تريد استمرار ضمان هدوء حدودها مع سوريا كما حصل مع النظام الأسدي من الاب منذ العام 1973 وصولاً إلى الابن، وأن يكون دور النظام القادم في كل ما يتعلق بالممانعة والمقاومة مدوزناً كما حصل طوال الفترة الماضية بحيث انّ حرب 2006 تشكّل استثناءً وليس مساراً.
[انّ العراق ليس قطر. أوّل الغيث كلام نوري المالكي رئيس الوزراء العراقي عن سوريا ومنع التدخل الخارجي (كأنه جاء إلى بغداد والسلطة على بساط الريح وليس على الدبابة الأميركية)، لذلك سيكون التعامل مع الجامعة العربية أسهل وأخف وطأة، ويمكن الاعتماد على العراق ومالكي لتفخيخ عمل وقرارات الجامعة العربية.
يبقى أنّ النظام الاسدي يعتقد اعتقاداً راسخاً بأنّه قادر على الالتفاف على كوفي أنان ومهمته وشراء الوقت، مما يسمح له إحداث مزيد من الشروخ بين أطراف المعارضة السورية واستثمار أي اعتدال أو وهن في الموقفين العربي والدولي.
لا شك أنّ وضع الشعب السوري في مواجهة النظام الأسدي صعب جداً، لأنّ المواجهة لا حساب فيها للموت والدمار. المعارضة حسمت منذ البداية مطالبها في إسقاط النظام، بينما النظام جعل من سقوطه إسقاطاً للدولة. في مثل هذه الحالة يبدو جلياً مَنْ هو المستعد للذهاب بعيداً في افتعال الحرب الأهلية وإغراق سوريا فيها. الأسد ونظامه هم المسؤولون الفعليون عن كل ما يصيب سوريا.
[الحوار مستحيل ليس لأنّ المعارضة لا تريده وإنما لأنّ النظام الأسدي لا يريده أو لأنه غير قادر على تنفيذه بسبب طبيعة تركيبته. عندما يقول فاروق الشرع نائب الرئيس السوري لواحد من أبرز المعارضين: ساعدوني لأساعدكم، فأنا غير قادر على تنفيذ عشرة بالمئة ممّا تطلبون، يعني أنّ الخلل واضح، الأمن أولاً وأخيراً.
مهما يكن، فإنّ تضحيات الشعب السوري وصموده لم تذهب هدراً. قبل سنة، كان كل مَنْ يعارض النظام الأسدي خائنا ومساهما في ضرب المقاومة والممانعة. الوضع تغيّر حالياً. الحوار أصبح مطلوباً وهو خشبة الخلاص الأخيرة. حزب الله يقوم بمساعٍ كثيرة لجمع الاخوان المسلمين مع النظام الاسدي للجلوس على طاولة الحوار. الوسيط هو حركة حماس. رغم كل الجهود لم تنجح الوساطة. النظام يريد الحوار تحت سقف شروطه حيث قمّة الإصلاحات فيها الدستور الذي لم يغيّر في طبيعة النظام إلاّ بالشكل. والاخوان المسلمين لن يقدموا على خطوة تجهض كل مسارهم الطويل خصوصاً وأن تفجير ثورة لا يمكن أن يتم في عقود إذا ما اجهضت هذه الثورة.
العرب رغم قلقهم على مستقبل سوريا، والمجتمع الدولي ورغم كل التحفّظات والحسابات، لن يترك النظام الأسدي يشتري الوقت، فهو يعرف جيداً ماذا يخطط وماذا يريد. مجرّد وجود هذه المعرفة المستندة إلى تجارب مريرة تفشل العملية الأسدية، أيضاً الاعتراف بـالمجلس الوطني ممثلاً للشعب السوري من 82 دولة، يفسد مشاريع النظام في حصر الثورة بالعمل الإرهابي ونشاط السلفيين الذين ورَّدهم إلى العراق وعادوا إليه في البريد المضمون على السكة نفسها.
نهر الثورة السورية طويل.. وصبر الثوار أطول..
[email protected]
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.