مصر بعد 17 حزيران، غير مصر طوال 60 سنة وأكثر. في 17 حزيران تنتهي الانتخابات الرئاسية ويعرف مَنْ هو الرئيس الأول الذي أفرزته ثورة 25 يناير. الثورة أسقطت نظاماً، وصنعت التغيير، لكن المرحلة الانتقالية لن تبدأ إلاّ مع رئيس الجمهورية الجديد. أمام مصر مسارات مليئة بالمتغيّرات. لا يمكن الآن ولا بعد 17 حزيران تحديد ما سيجري. صناعة القرار في مصر، ستكون صناعة جديدة، ومختلفة عما سبقها. انتهت لأول مرّة الحالة الفرعونية في مصر. كائناً مَنْ كان الرئيس المُنتخب لن يكون فرعوناً جديداً يحكم مصر.
مقدّمات المرحلة الانتقالية، تؤشر إلى أنّ القوى الثورية التي أشعلت الثورة وتابعت ولادتها وانتصارها في الميادين، لن تبني ولن تدير دولة الثورة. تصحير الحياة السياسية طوال عقود عدة، ولّد هذه الحالة. ما زال أمام هذه القوى سنوات عدة من العمل والنشاط والتأطير، للعب دور أساسي في دولة الثورة. ربما الأصح في قيام الجمهورية الثانية للثورة، باعتبار أنه بعد 17 حزيران ستقوم الجمهورية الأولى. مشكلة الشباب الذين فجّروا الثورة، أنهم وُلدوا من رحم الفايسبوك، وهم بذلك غير مؤدلجين وبلا قيادة. الجمهورية الأولى ستشكل ممراً إجبارياً لجيل الفايسبوك ليتأدلج وليفرز قيادات قادرة على فرض نفسها شعبياً.
بعيداً عن اسم رئيس الجمهورية القادم فإنّه سيحمل معه رياح تغيير حقيقية، تنطلق أولاً وقبل أي شيء من شرعية صناديق الاقتراع. بهذا فإن الرئيس المنتخب سيملك الشرعية الشعبية قبل أي شرعية أخرى. الأمر الثاني وهو مهم جداً في مصر، أنه لأول مرة سيكون الرئيس المنتخب مدنياً وليس عسكرياً. مهما قيل وسيقال عن موقع العسكر في الجمهورية الأولى، فإن الرئيس لن يكون منهم، حتى ولو اضطر للتفاهم معهم. فرق كبير بين أن يأمر الرئيس الجنرال، أو أن يلعب الرئيس المدني اللعبة السياسية بكاملها وأن يمارس سلطاته انطلاقاً من مبدأ الفصل بين السلطات. لعبة السلطة المدنية والعسكر التي عاشتها تركيا وصولاً الى المرحلة الأردوغانية، ستعيشها مصر بشكل أو بآخر. ربما تطول مدتها إذا لم يعرف المدنيون قواعد اللعبة خصوصاً أبرزها قضم السلطة وهضمها خطوة خطوة، بدلاً من المواجهة وصولاً الى الانفجار.
أخيراً وهو مهم جداً، إن مبدأ التبادلية في السلطة يصبح خياراً رسمياً وحزبياً وشعبياً مترجماً بقبول غير مشروط للنتائج التي تفرزها انتخابات حرة ونزيهة وشفافة.
منذ يوم 25 يناير وما بعده، طفا على سطح الحياة السياسية في مصر مثلث أضلاعه واضحة لكنها غير ثابتة في طولها، وبالتالي في طبيعة الزوايا المشكّلة. طبعاً يمكن الحديث طويلاً عن الشباب لكنهم حالياً غير حاضرين كما سبق الكلام في صياغة جمهورية الثورة. قوى المثلث تبدو علاقاتها مركبّة ومعقّدة وهي:
[الإسلاميون وعمود خيمتهم الاخوان المسملين. إذا ما انتخب خيرت الشاطر رئيساً للجمهورية فمعنى ذلك أن الاخوان يشكّلون الحزب الحاكم بكل ما تعني الكلمة من ذلك، يساعدهم وينافسهم في الوقت نفسه التيار السلفي. يمكن أن يقال إن غلطة الشاطر بألف غلطة وما إلى ذلك، لكن في النهاية ليجرّب الاخوان السلطة بكل مغرياتها وأشواكها. أمام الاخوان المسلمين قضية ملحّة قبل تطبيق الشريعة، إخراج مصر من الأزمة الاقتصادية التي تتوافر كل الأسباب لتزداد عمقاً وقسوة. حالياً نصف الاحتياط من العملة الأجنبية ضاع في سنة ثورة، في وقت ستطالب شرائح مليونية بالكثير من التقديمات والتغييرات.
أيضاً أمام الاخوان المسلمين مأزق سياسي حقيقي قد يجدون له إجابة موقتة ولكن ليست دائمة وهي العلاقات مع إسرائيل كمدخل طبيعي لاستعادة دور مصر في العالم العربي. ليس مطلوباً أن تستعد مصر للحرب، لكن على الأقل أن تشكّل قوّة ضغط تُوقف التطرف الإسرائيلي.
[ المؤسسة العسكرية التي لعبت دوراً أساسياً في حماية الثورة ولم يفعل الجيش المصري الوطني ما فعله الجيش السوري في ضرب شعبه، رغم هذا الدور الايجابي فإن المجلس العسكري لا يملك شرعية مجلس قيادة الثورة ولا الضباط الأحرار، فهو مشكل من ضباط سيحالون على المعاش (التقاعد) عاجلاً أم آجلاً ليأتي غيرهم من الضباط في القيادة. لذلك كله لن يحكم هذا المجلس أو خليفته. مهمته في المرحلة الانتقالية ضمان انتقال هادئ للسلطة يبتعد فيها خطوة خطوة عن الإمساك بمفاصل القرار السياسي من دون السقوط في فخ المواجهة فالمحاكمات كما يحصل حالياً مع جنرالات من الجيش التركي.
[ الولايات المتحدة الأميركية، التي منذ البداية اعتمدت الواقعية السياسية، فشجعت على تنحي الرئيس حسني مبارك وهي الآن تتقبل وصول الاخوان المسلمين الى السلطة، على أن تكون المرحلة تجريبية يتم البناء بمقتضاها عليها. لذلك سيبقى موقع الولايات المتحدة الأميركية ودورها معلّقاً يدور حوله ألف سؤال وسؤال.
أمام مصر خمس سنوات لإعادة البناء وقيام الجمهورية الثانية، لكن هذا لن يمنعها من أن تلعب دوراً مهماً خصوصاً على صعيد مفاعيل الربيع العربي الذي كما يتأكد يوماً بعد يوم أن رياحه اخوانية، يجب التعامل معها بواقعية عميقة مستندة الى تشكل جسم شبابي ينضج على نار ثورات حقيقية، بانتظار المستقبل الذي سيكون بالتأكيد مختلفاً عن كل ما سبقه.
[email protected]
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.