8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

العلاقات التركية ـ الإيرانية على خط الزلازل السوري

وقعت العلاقات الإيرانية ـ التركية على خط الزلزال السوري، رغم كل المحاولات المشتركة طوال سنة كاملة لتغطيتها بورقة توت العلاقات التاريخية، والجوار الجغرافي الحساس. بدا الزلزال مفاجئاً بقوته، رغم أن مقدماته، كانت تتراكم وتتقدم يومياً طوال الأشهر القليلة الماضية. لم ينفع التكتم السياسي والإعلامي في إبقاء القسم المختفي من جبل الجليد. زيارة رجب طيب أردوغان الى إيران، أسقطت ورقة التوت إذ تبين أن حواراً حاداً قد دار بين المرشد آية الله علي خامنئي وأردوغان حول الموقف من سوريا. وأن قمة هذه الحدة ترجمت في ادعاء أحمدي نجاد المرض كي لا يستقبل أردوغان في الوقت الذي التقى فيه وفداً من الدرجة الثانية من تركمنستان. ولا شك أن الأتراك انزعجوا من توقيت هذا الاستقبال أكثر من عدم حصول اللقاء، لأن اختيار وفد تركمنستاني استهدف توجيه رسالة علنية بأن إيران قادرة على التحرك في هذه الجمهورية بالذات.
بعد ذلك، ظهر الجزء المخفي من جبل الجليد العلاقات التركية ـ الإيرانية الى العلن، فإذا برئيس لجنة الأمن القومي علاء الدين بروجردي يعلن بأن تركيا فقدت أهليتها في استضافة مؤتمر خمسة زائد واحد. ليضيف علي سعيدي: أن أردوغان يحلم بإعادة أمجاد الامبراطورية العثمانية.. وأداء دور القيادة في العالم الإسلامي. أما أردوغان فقد ردّ بكلام قاسٍ جداً إذ أن الإيرانيين خسروا مصداقيتهم ويواصلون خسارة مكانتهم. مضيفاً ما قالوه لغة غير ديبلوماسية والرد عليها ليس هنا. وفي قرار عملي خارج عن طبيعة العلاقات المنسوجة بين طهران وأنقرة طوال العقود الثلاثة الماضية قررت أنقرة تشديد شروط الإقامة على الإيرانيين خصوصاً الطلاب منهم على أراضيها مما يؤثر سلباً على محاولات إيران اختراق الحصار والمقاطعة الاقتصادية الغربية ضدها.
الثورة في سوريا، قلبت كل المعادلات القائمة طوال العقود الثلاثة بين إيران وتركيا. لكن للواقع فإن أسباباً أخرى إضافية منها آنٍ ومنها استراتيجي رفع سرعة اندفاع العلاقات نحو خط الزلزال وأبرزها:
[ سوريا أولاً، حيث اعتبرت طهران انخراط تركيا في عملية تغيير النظام والإطاحة بالرئيس بشار الأسد عملية تحدٍ لها وأن في صلب هذا الموقف التركي التصدي لنفوذ طهران المتزايد والنامي في المنطقة بعد ثورات الربيع العربي. وقد وصل الأمر الى درجة أن طهران اعتبرت أن تركيا اتجهت نحو ارتداء العباءة السنية في مواجهتها، وانه في قلب الموقف التركي التصدي للهيمنة الإيرانية على العراق وعدم مدّه نهائياً الى سوريا، لأنه بذلك يقع خلل كبير في التوازن القائم بين الدولتين في منطقة لا تتحمل خللاً يصل الى حدود الانقلاب الشامل في موازين القوى لمصلحة طرف دون الطرف الآخر. لذلك كله، فإنه كلما طالت الأزمة في سوريا، ارتفع منسوب الانحياز الكامل للطرفين باتجاهين متعارضين، واحد مع النظام الأسدي مهما كانت كلفته، والآخر مع المعارضة والثورة حتى لو وصل الأمر الى درجة الانتقال من حالة تدريب المعارضة السورية على العمل السياسي وفتح قنوات الحوار وتجهيز المنشقين بالمأوى والحماية الى إقامة الممرات الإنسانية وتطويرها خصوصاً إذا ما فشلت مهمة كوفي أنان.
ولا شك أنه من ضمن الخلل في موازين القوى كما ترى طهران، لا ينحصر في سقوط النظام الأسدي بل ترى أن عملية واسعة تجري لمحاصرتها جغرافياً وسياسياً وايديولوجياً، لان سقوط النظام الأسدي له ارتدادات زلزالية قوية جداً على موقع حزب الله ودوره في لبنان الى جانب ذلك التزاوج القائم بين سوريا والعلاقة مع الطرف الفلسطيني المعارض خصوصاً حركة حماس التي أدت الأزمة السورية الى خروجها ولو المحدود من سوريا مع كل مستتبعات هذه العملية على مسارات القضية الفلسطينية والعلاقات معها.
تبلور التنافس على النموذج بين إيران وتركيا في دول الربيع العربي. إيران تعتبر أن نموذجها يفتح الباب على مصراعيه أمام تصعيد وتكثيف الصراع ضد إسرائيل والصهيونية، في حين أن تركيا تجد ان نموذجها الناجح سياسياً واقتصادياً يمكن أن يدفع دول الربيع العربي بقوة وسرعة على مسار النهضة والنهوض.
إيران اعتبرت منذ اللحظة الأولى أن إقامة الدرع الصاروخية فوق الأراضي التركية يشكل انحيازاً الى جانب الغرب وإسرائيل وذلك رغم كل التطمينات التركية التي قدمتها.
أخطر ما في هذا الخلاف التركي ـ الإيراني، أن طهران وسوريا عمدا معاً الى تحريك الجبهة الكردية ضد تركيا رغم الأخطار الكامنة عليها من هكذا عملية، كل واحد فيهما يده في قلب هذه النار التي لا يمكن إلا أن تتمدد وتنتشر خارج الحدود المرسومة لها، إذ لا يمكن لأحد أن يشعل النار في مخزن للبارود وينأى بنفسه عن انفجاره. وقد وصل اندفاع دمشق وطهران في هذه العملية الى درجة اطلاق يد حزب العمال الكردستاني PKK في النشاط على الحدود التركية ـ السورية، وان تقيم إيران هدنة مع البيجاك حزب الأكراد في إيران. وأن يقدم النظام الأسدي للأكراد في شمال سوريا كل التسهيلات اللوجستية والإمكانات المادية والعسكرية لمنع أي تحرك كردي معارض للنظام والوقوف في وجه الجيش السوري الحر وتهديده بالمواجهة.
رغم كل هذا التصعيد، فإن البعض في أنقره وطهران يرى أن لهذه الخلافات سقفاً لن يتم اختراقه لأن أنقرة وطهران تعرفان حجم الخسائر الضخمة وحتى التاريخية إذا تم اختراق هذا السقف ووقع الصدام المباشر.
المشكلة انه في حالة مثل حالة الثورة في سوريا وفي صراع مكشوف على الموقع والدور في منطقة الشرق الأوسط، وفي عودة غير متوقعة الى نوع من الحرب الباردة بين الغرب والعرب من جهة وروسيا والصين وإيران من جهة أخرى، لا يمكن ضبط التطورات على ساعة التمنيات والرغبات.
[email protected]

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00