الرئيس بشار الأسد، سعيد جداً، لأنه نجح في اعادة انتاج حرب باردة ولو محدودة، تصب في استمراره ونظامه الأسدي في السلطة مهما بلغت الكلفة من البشر والحجر. لا شك ان الأسد نجح مرة اخرى في كسب مزيد من الوقت في السلطة. من الطبيعي عندما تتخاصم كتلتان واحدة مشكلة من الولايات المتحدة الاميركية واوروبا والعرب، وثانية تضم روسيا والصين وايران، ان لا تتبلور النتائج قبل فترة من الزمن تتشكل خلالها موازين القوى التي تفرض الحلول والجوائز.
مشكلة الرئيس الأسد بعد نجاحه هذا يتناسى بأنه حوّل سوريا كلها إلى ملعب من جهة، وهو ونظامه من جهة اخرى إلى كرة يتبارى اللاعبون في تقاذفها والمناورة بها لتسجيل كل فريق هدفاً في مرمى الآخر. مشكلة اخرى يواجهها الأسد هذه المرة، انه كان وهو احد اللاعبين ينجح في تمديد الوقت بما يناسبه، هذه المرة، ووقت المباراة يبدو محدوداً مهما بدا مفتوحاً بلا صفارة نهاية.
الأسوأ في تحول سوريا إلى ملعب هو في تراجع الدولة. الفلتان اصبح علناً، فقدت مرجعياتها وهيئاتها هيبتها واحترامها. فطريات المجتمع السوري خرجت إلى السطح وهي تتمدد يومياً بكل مفاعيلها المرضية. لا يمكن الطلب من مواطن حتى ولو كان مؤيداً للنظام الأسدي ان يحترم رجل امن يشارك في التشبيح والقتل والسرقة. النظام الأسدي مصاب بمرض عضال.
السؤال الحقيقي حالياً، هل يمكن معالجة هذا النظام المريض وما هي طريقة العلاج. اذا كانت الكتلة الاولى تؤيد وتدعم ولو بتفاوت ملحوظ مبدأ العلاج بالجراحة التي منها البتر، فإن الكتلة الاخرى، تطالب بالمعالجة الصينية اي الوخز بالأبر. النتيجة واحدة. الاولى تنتج نهاية حاسمة للاسد ونظامه، والثانية تنهي الأسد على طريقة اليمني علي عبدالله صالح. ما يقود إلى هذه النتيجة ان روسيا ليست مستعدة للتصادم مع الولايات المتحدة الاميركية، والصين لن تضحي بمصالحها مع الاميركيين وهي بآلاف المليارات من الدولارات من اجل النظام الأسدي.
النتيجة الطبيعية والواقعية، تكمن في الحوار والتفاوض بين موسكو وواشنطن وبكين سواء في مفاوضات ثنائية أو ثلاثية. مجرد القول بأن مفاوضات روسية اميركية تجري يعني ان الأسد ونظامه على طاولة المقايضات. قمة فلاديمير بوتين الرئيس المنتخب مع باراك اوباما الرئيس المرشح في اواسط الشهر القادم انها ستكشف الكثير من النقاط المتفق عليها كما المختلف عليها. كذلك سيكون للقيادة الصينية مفاوضاتها مع اوباما في الفترة نفسها.
التمايز رغم التوافق داخل كل كتلة قائم، وهو مركب وشديد التعقيد. واشنطن تتمايز في موقفها عن باريس ولندن لأنها لا تتعجل سقوط الأسد استرضاء منها لإسرائيل في عز الحملة الانتخابية، في حين ان روسيا تتمايز عن الصين. تعدد المصالح واختلافها وتناقضها تخلق هذا التمايز وبالتالي في العمل على تسريع الحل او عرقلته. هم موسكو كما اصبح واضحاً من كل خطاباتها وحواراتها خصوصاً مع اطراف من المعارضة السورية، هم امني عسكري في سوريا. مستقبل الجيش السوري ودوره في قلب هذا الهم الروسي. علاقات موسكو - السوفياتية ومن ثم الروسية بدأت عسكرية وأصبحت عسكرية سياسية. ما تريده موسكو كما شددت مراراً خصوصا امام المعارضة السورية الحفاظ على الموقع السوري في دائرة تأثيرها الاقليمي. هذا هو الامر المقدس الذي تبدو موسكو مستعدة للدفاع عنه والمحافظة عليه إلى النهاية، والباقي تفاصيل يمكن التفاهم حولها وعليها.
اما بالنسبة للصين، فإن همها اقتصادي مرتبط بالنفط والغاز. ضمان وارداتها بانتظام وبأسعار مقبولة، يدفعها باتجاه الدخول بقوة على خريطة الحل في سوريا. لذلك فإنه في الوقت الذي تتصادم فيه روسيا مع قطر على سوق الغاز الدولي، فإن الصين تعمل على توثيق علاقاتها ومشترياتها مع قطر لان صادراتها من الغاز أرخص من الانتاج الروسي. بهذا تبدو الصورة اكثر وضوحاً في العملية المعقدة من التمايز فالتنافس في قلب التوافق والعمل المشترك. بذلك يمكن لواشنطن وقطر استثمار التناقضات بين موسكو وبكين لمصلحة الحل في سوريا.
يبقى انه مهما بالغ الأسد ونظامه في التركيز على مفاعيل هذه الحرب الباردة، فإن مشكلته الاساسية هي مع الشعب السوري، لانه غير قادر على الحسم العسكري ولا على الحل السياسي، خصوصاً وانه لم يعد مقبولاً على الاقل من نصف الشعب السوري زائد واحد. يكفي ان المعارضة التي توصف بأنها معتدلة طالبت في موسكو بنقل صلاحيات الرئيس الأسد إلى نائب الرئيس ومحاسبة كل المسؤولين المتورطين في الجرائم ضد الحراك الشعبي. الفرق بين المعارضات السورية ان اطرافاً منها تطالب باسقاط النظام بالضربة القاضية وان اطرافاً اخرى تريد اسقاطه بالنقاط. والنتيجة واحدة.
مهمة كوفي انان، قد تمدد للاسد ونظامه 90 يوماً من تاريخ وصول المراقبين الدوليين. لكن هذا التمديد يبدو مثل رمي الزيت على الاسفلت، كلما تقدم خطوة إلى الأمام ازداد انزلاقه واصابته بالرضوض والكسور، وصولاً إلى سماع صفارة الحكم معلناً نهاية المباراة، وتسليم الكرة للفائز ليحتفظ بها في خزانة الذكريات.
[email protected]
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.