لم يعد الرئيس بشار الاسد في وارد تجديد مواعيده لإنهاء الازمة في سوريا كل يوم ثلاثاء. الاسد أفاض امام من يلتقيهم: ان الازمة ما زالت في بدايتها. اذاً انتهت فترة 14 شهراً تقريباً منذ مأساة درعا، من دون حسم. النظام الاسدي صعّد من قمعه وإجرامه. آخر يوميات قمعه مشهد عضو التنسيقيات وهو يدفن حياً، كما لم يحدث حتى في لبنان في عز حروبه الاهلية والخارجية، خصوصاً وان المطلوب من الموءود حياً، ان يقول الشهادة ببشار بدلاً من الله ورسوله.
الازمة في سوريا، طويلة. الرهان الاسدي يقوم على جملة تطورات دولية، ابرزها تسلم فلاديمير بوتين الرئاسة في 7 أيار وهو في وضع القيصر المطلق الصلاحية الذي يعمل لعودة روسيا القوية والحاضرة في الساحة الدولية، وبالتالي على طاولة أي مفاوضات قادمة. في اليوم نفسه سيدخل الرئيس الفرنسي المنتخب قصر الاليزيه. ايضاً الرئيس باراك اوباما سيغرق في الحملة الانتخابية، ولن يكون لديه الوقت والصبر للاهتمام بسوريا. كذلك اسرائيل قد تجد نفسها في قلب انتخابات تشريعية مبكرة، لن يكون مسموحاً خلالها اخذ قرارات حاسمة ونهائية. كلما انشغل العالم بهمومه، نسي- برأي الاسد- سوريا، مما يمكّنه من اطلاق يديه في ادارة الحل العسكري والامني. كوفي أنان والمراقبون الدوليون لا أهمية لهم، رغم ان سوريا كلها صارت تحت الرقابة والمتابعة الدولية.
عربياً، الوضع اكثر تعقيداًُ. مصر مشغولة بحاضرها ومستقبلها، موازين القوى فيها عائمة وغير منتجة لأي قرارات حاسمة. الانتخابات الرئاسية اضاعت البوصلة اكثر من أي وقت مضى. انشغال مصر بهمومها الداخلية يبعدها عن اتخاذ اي موقف من الحالة السورية. اكثر من ذلك وجود فلول النظام المباركي القوي في مصر العميقة، يسمح للنظام الاسدي بالتسلل وكسب ورقة من هنا او ورقة من هناك. الخلاف المصري السعودي يفرح النظام الاسدي. أليست عبقرية النظام الاسدي من الأب الى الابن قائمة على استثمار كل ما هو سلبي لمصلحته؟.
ايضاً الرئيس الاسد، مستنداً الى طهران، يراهن على دور رئيس الوزراء العراقي نور المالكي. انخراط المالكي الايراني الكامل يريح الاسد ويقويه، فوائده ليست سياسية فقط وإنما وهي اقتصادية ومالية. العلاقات العراقية الايرانية في قمة التطور لكن وضع المالكي الداخلي لا يعكس هذا التطور. المعركة مفتوحة. عنوانها المالكي ودوره، ومضمونها موقع بغداد ودورها من الحالة السورية.
القوى العراقية لها مصلحة في اسقاط المالكي خصوصاً وانه ينفرد بالسلطة يوماً بعد يوم. من البداية رأى فيه الكثيرون صدّاماً صغيراً. يبدو ان ذلك يتحقق يوماً بعد يوم. مشكلته ان حزب الدعوة تشتت وتفرع، واذا ما المالكي شكل حزباً فإنه سيكون حزب السلطة الذي يأتي معها ويذهب متى ذهبت.
من الواضح ان ضغوطاً كبيرة تتبلور في بغداد، سواء من الداخل او الخارج معاً. لكن لم يتقرر الحسم بعد. لذلك تقول الاطراف الداخلية ليبقى المالكي، لكن لا تجديد ولا تمديد له. طبعاً التطورات هي التي تحسم. هذه الضغوط الداخلية والخارجية قد تجبر المالكي على اعادة حساباته. حتى الآن لم تحسم واشنطن موقفها مثلما تفعل حيال الاسد. عندما تقول واشنطن كلمتها من المالكي، يجب انتظار قرارها حول دمشق والاسد.
حتى تدق ساعة الحسم الاميركي، التي هي على الاغلب مشدودة الى موقف اسرائيل، فإن طهران تلعب بقوة وأحياناً ببراعة. اصبح لطهران همان مشتركان: الاسد والمالكي. خسارة احدهما تعني خسارة الاثنين معاً، الا اذا عرف المالكي كيف يتلافى الخسارة في الوقت المناسب. حالياً طهران مشغولة بملف مفاوضاتها مع مجموعة الخمسة زائد واحد. تبدو طهران متفائلة جداً، خصوصاً وان ما يسرب من واشنطن يؤشر الى حصولها على حق التخصيب. السؤال: مقابل هذا المكسب الاستراتيجي ماذا ستقدم طهران لواشنطن. لا احد يعطي في مفاوضات دون ان يأخذ خصوصاً اذا كان الطرف الآخر واشنطن وليس غيرها؟.
تشديد طهران قبضتها على السلطة المالكية في بغداد، ودفاعها المستميت عن النظام الاسدي يؤكد عدم راحة طهران للتطورات الميدانية وهي على قاب قوسين من المفاوضات. من الصعب معرفة حقيقة ما يجري تحت الطاولة او خلف ستارة دخان. التصريحات الاقتدارية من عسكرية تتناول امن الخليج او سياسية تحمل رسائل معينة للمنطقة من نوع ان تموضع العراق وايران، في قمة الاقتدار والعزة.
المراهنة على التطورات الخارجية، منتج في حالة تموضع الأزمة السورية في خانة المؤامرة الدولية. اما في حالة العودة الى الواقع، وملاحقة يوميات الثورة التي بدأت صغيرة ومحدودة على جميع الاصعدة الانسانية والسياسية والجغرافية، وانتشرت حتى لم يبق سوى دمشق وحلب المقطّعتين أمنياً ومافيوياً بين الشريكين المتكاملين: شريحة التجار الذين جيوبهم وطنهم، وشبيحة السلطة. تبقى مشكلة الاسد ونظامه مع الشعب السوري حتى ولو قال البعض باسم الحيادية انها مع نصف الشعب السوري زائد واحد، باعتبار ان النصف الآخر موزع مناصفة بين ملتزم بالنظام حتى الموت لان موت النظام ينهيه مالياً وسلطوياً، ومتردد يخاف من المجهول، الذي كلما اقتربت ساعة الحسم اضطر الى حسم موقفه والانحياز بسرعة لانقاذ نفسه.
المعركة في سوريا، والصراع مفتوح على العراق. مرة اخرى يتأكد الجميع من ان الجائزة الكبرى هي العراق. الباقي تفاصيل يمكن المساومة عليها، خصوصاً الاسد ونظامه بعد ان أصبح استمرارهما مربكاً للجميع.
[email protected]
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.