مستقبل سوريا والنظام الأسدي، في قلب مثلث المفاوضات الدائرة بين: الولايات المتحدة الأميركية وروسيا والجمهورية الإسلامية في إيران. هذه المفاوضات ليست محصورة بالملف السوري، وليست ثلاثية في وقت واحد وإن كانت تتقاطع في أحيان عديدة. المهم أنّ من بين كل الملفات الساخنة والاستراتيجية، يحتل الملف السوري مرتبة مهمّة، لأنّ مستقبل سوريا، نقطة قطع ووصل على ملفات وساحات عديدة.
مؤشرات مهمّة تؤكد أنّ الخط أصبح مفتوحاً بين طهران وواشنطن. مفاوضات بغداد-2 في 23 من الشهر الجاري، ستكون حسب كل التسريبات إيجابية. لدى واشنطن ما تقدّمه لطهران في الملف النووي. الإيرانيون يريدون أكثر. يطلبون وعداً بإلغاء العقوبات الاقتصادية ضدّ بلادهم، خصوصاً وأنها بدأت تُدمي اقتصادهم، وتلحق نزيفاً يومياً بحياة الإيرانيين العاديين. الحزام الريفي ودواخل المدن التي تضم شرائح واسعة من الفقراء ومن الطبقة المتوسطة، يتململ. تخفيض المعونات المالية التي يقدمها الرئيس أحمدي نجاد التزاماً منه بالاقتصاد الريعي سينعكس سلباً. السؤال يبقى إذا ربحت طهران في الملف النووي وألغيت العقوبات الاقتصادية ولو خطوة خطوة، ماذا ستقدم مقابل ذلك؟ واشنطن تبدو واثقة أكثر فأكثر، من سقوط النظام الأسدي غداً أو بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية. سقوطه يُضعف إيران ويجعلها تنكفئ أكثر فأكثر نحو العراق. مظاهرة نجاد في جزيرة أبو موسى، تعويض عن فشل إيران في اليمن. النظام اليمني المؤقت، يوطد نفسه بدعم عربي سعودي واضح وأميركي مؤكد. يبقى لبنان وحزب الله. السؤال هل يتم تفجير الوضع للتعويض عن الخسائر المعلنة والمحتملة؟
لا شيء يؤشر إلى أن حزب الله مستعد لإطلاق النار على رجله لحماية تراجع حليفيه. من مصلحة الحزب أن ينكفئ إلى الداخل لتصليب مواقعه خصوصاً وأنّ كل امتحانات القوّة سقطت أو فشلت، إلى جانب أنّ شرائح واسعة من جسمه الديموغرافي والسياسي تعاني على أصعدة كثيرة منها الاجتماعي والأمني والاقتصادي.
روسيا في عهد القيصر الجديد فلاديمير بوتين، تريد أكثر مما تستطيع هضمه وبأقل كلفة ممكنة. تُوصف المطالب الروسية من الجانب الأميركي بأنّها ضخمة وبعيدة جداً عن سعر الصرف الأميركي. تصعيد منسوب المطالب الروسية التي تبدأ بالدرع الصاروخية لتصل إلى سوريا ومستقبلها وموقعها فيها، طبيعية جداً، وإلاّ لماذا المفاوضات؟ موسكو بوتين ذهبت في دعمها للنظام الأسدي إلى حد الدخول في عداء مع مليار مسلم سنّي. لكن لا يمكن لموسكو الاستمرار في هذا العداء، حتى ولو كانت تشدّد على أنّ سقوط النظام الأسدي وخروجها من سوريا يعني سقوط الجزء الشرقي من جدار برلين. ترجمته تهديد ما تسميها المساحة المشتركة كلها أي آسيا الوسطى.
فالأنظمة في هذه المساحة مثلها مثل النظام الأسدي غير معروفة فلا هي اشتراكية ولا إسلامية ولا علمانية رغم كل ادّعاءاتها.
موسكو تدرك جيداً أنّ دعمها للنظام الأسدي نهاية. المهم الثمن الذي ستأخذه وهو بحسب حساباتها في عدم تكرار التجربة الليبية. واشنطن ليست مستعجلة، كلما زاد اهتراء النظام في سوريا ارتاحت أكثر. سوريا ستبقى ضعيفة لسنوات بعد الأسد. إعادة بنائها سياسياً واقتصادياً، يتطلب جهوداً جبّارة خصوصاً وأنّ الاستقرار والأمن وتبلور نظام حقيقي، لن يتم إلاّ بجهود ضخمة لفترة زمنية طويلة نسبياً.
فلاديمير بوتين، أجّل لقاءه بالرئيس باراك اوباما، لتتبلور من الآن وحتى 18 حزيران المقبل، العديد من المعادلات. لا شك أنّ سوريا في قلب فترة هذا الانتظار. مهمّة كوفي أنان وفعالية المراقبين ستتبلور سلباً أو إيجاباً. مفاوضات بغداد-2 ستؤكد وجهة بوصلة العلاقات الأميركية الإيرانية.
لا يبدو أحد مستعجلاً على الحل في سوريا. أمام السوريين خمسة أسابيع وربما أكثر من دفع ضريبة الدماء. عندما يلعب الكبار يخسر الصغار خصوصاً إذا أصبحوا ملعباً بعد أن كانوا لاعباً.
[email protected]
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.