هل انتهت المفاوضات الأميركية ـ الإيرانية ولم يبق غير التوقيع على اتفاقاتها؟
يشيع الإيرانيون جواً من التفاؤل غير المسبوق في تاريخ العلاقات بين الجمهورية الإسلامية في إيران والولايات المتحدة الأميركية، الى درجة أن كلمة الشيطان الأكبر تبدو كأنها اقتلعت مثل ضرس ملتهب. لا شك أن هذا النجاح، ايجابي جداً للمنطقة وللعالم. ليس أمراً عادياً انتهاء نزاع مستمر منذ أكثر من ثلاثين عاماً على خلفية عقائدية ودينية وسياسية. بالتأكيد ستتغير معطيات كثيرة. مثل هذا الاتفاق يشكل حكماً زلزالاً ضخماً يوازي الخطاب الأول للإمام الخميني الذي فتح النزاع مع الشيطان الأكبر على مصراعيه.
لا يمكن أن تكون المفاوضات بين واشنطن وطهران على الملف النووي فقط. من الطبيعي والواجب أن يكون على سلة مليئة بالملفات. أيضاً في مثل هذه المفاوضات، لا يمكن إلاّ أن تكون مفتوحة على تقديمات متبادلة. لذلك السؤال الكبير ماذا أعطت واشنطن وماذا أخذت طهران، والعكس صحيح؟
حصول طهران على حق التخصيب النووي بنسبة 3,5 في المئة هو كمثل من أن يأخذ حقاً مشروعاً له بتشريع من خصمه. المشكلة هي في الحصول على اليورانيوم المخصب بنسبة 20 في المئة. مجرد أن تقبل طهران بالحل القديم وهو الحصول من الخارج على احتياجاتها تحت رقابة من وكالة الطاقة النووية الدولية، يعني أنها تراجعت عدة خطوات للتقدم خطوة واحدة. أيضاً تريد طهران رفع العقوبات الاقتصادية عنها التي بدأت تحدث تشققات حقيقية في الاقتصاد الإيراني بكل ارتداداتها على المجتمع الإيراني خصوصاً لدى الطبقة المتوسطة التي تبقى محور القلق العميق للنظام الإيراني، مثله في ذلك مثل باقي الأنظمة التي ضربها الربيع العربي.
مقابل هذا كله ماذا قدّمت إيران؟
إذا أخذ بما تشيعه طهران فإنها لم تقدم شيئاً أكثر من التزام عند التوقيع يقوم على توجيه المرشد آية الله علي خامنئي رسالة خطية إلى الرئيس باراك اوباما، يؤكد فيها على الفتوى التي سبق وأن قالها شفهياً بأنّ الحصول على السلاح النووي مخالف للإسلام. حصلت أيضاً على موافقة أميركية على بقاء الرئيس بشار الأسد. باختصار موافقة واشنطن على نحر الثورة السورية ومعها المطالب المشروعة للشعب السوري. لكن في الوقت ذاته معنى ذلك تقديم سوريا ولبنان وقبلهما العراق على طبق من ذهب لإيران تتحكم من خلالهم بكل المسارات في المنطقة.
قد تكون الولايات المتحدة الأميركية كريمة جداً لكن ليس إلى هذا الحد على المستوى الاستراتيجي. لا يمكن لواشنطن إلاّ إذا كانت تخاف فعلاً من إيران وقوتها العسكرية، تقديم كل هذه الجوائز دون أن تأخذ شيئاً. لا يمكن لواشنطن أن تقفل الباب في وجه العالم العربي خصوصاً دول اتحاد الخليج وتحديداً السعودية وقطر، لإرضاء النظام الإيراني فقط. لذلك لا يمكن تصديق كل هذه العروض، وأخذها على محمل الجد. لا يجب أن تكون طهران قد قدمت لواشنطن في أفغانستان والعراق، وأن تكون التزمت بعدم التدخل في حال سقوط النظام الأسدي. عكس ذلك معناه أن الولايات المتحدة قبلت بقيام حزام إيراني يمتد من العراق الى الحدود التركية ـ السورية. فهل المطلوب أميركياً قيام الهلال الشيعي في مواجهة هلال الاخوان المسلمين في المنطقة؟ ألا يعني ذلك أيضاً سقوط خط سايكس ـ بيكو، من دون التفاهم مع الاتحاد الأوروبي؟ وماذا عن موقف روسيا من قيام هذين الهلالين، هل يريحها ذلك خصوصاً في حديقتها الخلفية، أي آسيا الوسطى؟ وماذا عن إسرائيل، هل تقبل بمنافس استراتيجي لها يملك كل هذه الأوراق في المنطقة؟ وماذا عن تركيا ودورها الصاعد، هل تتحمّل استمرار وجود النظام الأسدي؟ وماذا يضمن مستقبلاً عدم تحريكه للملف العلوي ـ الكردي داخل تركيا؟
بعض التحركات تؤكد أنّ واشنطن تفاوض طهران وفي حساباتها أنّ النظام الأسدي، ساقط. من ذلك، ان القيادة الأميركية نشرت مجموعات كوماندوس في الاردن كانت قد شاركت في المناورة الأخيرة، للقفز فوق انهيار النظام الأسدي وبالتعاون مع القوات الروسية المضادة للإرهاب الموجودة في طرطوس للسيطرة على مخازن الأسلحة البالستية والكيماوية منعاً لوقوعها في أيدي قوى أصولية سنّية أو حزب الله.
بغداد ـ 2، في 23 أيار، نجاح أو فشل المباحثات ستجيب جزئياً عن كل هذه الأسئلة، يبقى أن كل هذه الحسابات لا تأخذ بعين الاعتبار الشعب السوري، ولا الخطر الكامن في صعود الأصولية، علماّ أنّ المجتمع السوري محافظ لكن ليس متديناً كما المجتمع المصري، فيها مع كل علامة يأس تظهر في أفق العلاقات الإقليمية والدولية.
[email protected]
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.