من المبكر جداً القول بأن المفاوضات الأميركية الإيرانية قد نجحت وتوصلت الى اتفاق، مثلما أنه من الخطأ الفادح الجنوح نحو إسقاط الفشل عليها. المفاوضات تجري عملياً في صمت بعيداً عن الإعلام والأنظار. الطرفان بحاجة الى انعقادها أولاً، وتحقيق نجاح ولو محدود ثانياً. لكل طرف أسبابه الخاصة. المهم أنها تتقاطع، لذلك ستستمر المفاوضات لفترة مقبلة.
الرئيس باراك أوباما بحاجة لهذه المفاوضات، حتى لا تستمر إسرائيل في حشره في زاوية الحرب المفتوحة. الولايات المتحدة الأميركية ومعها باراك أوباما الرئيس المرشح لا يريدان أي امتحان قوة بحجم الحرب مع إيران في عزّ الحملة الانتخابية من جهة، وفي مرحلة لم تتبلور فيها بعد مسارات الخروج من الأزمة المالية الدولية بكل ارتداداتها وخسائرها الاقتصادية الكارثية من جهة أخرى. تحقيق أي نجاح ولو محدود يرضي أوباما المرشح ويخفف الضغوط الإسرائيلية عنه. من فضائل سقوط نيكولا ساركوزي وفوز فرنسوا هولاند الذي سيلتقي أوباما في كامب دايفيد، أن الأول كان يزايد في الملف الإيراني على الإسرائيلي والأميركي معاً باتجاه الحرب، وكان يقف دائماً على يمين أوباما. الرئيس هولاند ليس من دعاة الحرب ضد إيران بأي ثمن. في جميع الأحوال، ميشال روكار رئيس الوزراء الاشتراكي الأسبق الذي زار طهران عشية تسلّم هولاند الرئاسة سينقل بالتأكيد سواء كان مكلّفاً رسمياً أو ضمناً صورة أكثر واقعية ومباشرة عن موقف طهران من المفاوضات مع مجموعة خمسة زائد واحد وبالتالي مع واشنطن.
طهران، بحاجة أيضاً لهذه المفاوضات. من الأفضل لها العمل على إقفال الباب في وجه الخيار الحربي الإسرائيلي. كل كلمة أو خطوة إيجابية تحقق خفضاً موازياً للجنوح الإسرائيلي نحو الحرب. أيضاً وهو مهم جداً، الحصول على رفع العقوبات الاقتصادية ولو خطوة خطوة. من الضروري للقيادة في إيران أن لا يكون الشتاء المقبل حاراً على صعيد الأزمات الاقتصادية والمعيشية. إيران ستدخل استحقاقاً انتخابياً رئاسياً في مطلع العام المقبل. استمرار الأزمة الاقتصادية وتصعيدها المؤثر جداً على الطبقة المتوسطة سيساهم حكماً في تصعيد التململ الداخلي على وقع الموسيقى العاصفة للربيع العربي. الخضر الإصلاحيون تراجعوا وانكفأوا، لكنهم أيضاً انقسموا بفعل الضغوط بين معتدلين ومتشددين. هذا الانقسام مفتوح على التطورات والتحالفات الداخلية والخارجية معاً.
مهما كانت سلّة المفاوضات غنية بالملفات بين طهران وواشنطن، من الصعب جداً أن يقع الاتفاق حول كل هذه الملفات دفعة واحدة. ما زال الملف السوري موضع خلاف عميق بين طهران الداعمة للأسد الى الأبد، وواشنطن المنادية بتنحي الأسد. أقصى ما يمكن أن تقدمه واشنطن في خلافها حول هذا الملف القبول بالحل اليمني، الذي يتوضّح يوماً بعد يوم أنه حل مبرمج ومفتوح على النجاح. ما يدفع واشنطن لتنفيذ سلسلة من الخطوات المؤيدة للنظام الجديد، انتشار القاعدة في بعض المناطق اليمنية. كل يوم يتأكد ميدانياً أن الحرب ضد القاعدة في اليمن أصبحت موزعة: الجو للأميركيين والأرض لليمنيين.
الرئيس بشار الأسد يؤمن بعكس كل العالم، خصوصاً السوريين، أنه أجرى انتخابات تشريعية تؤكد موافقتهم على الإصلاحات، من دون الدخول في تفاصيل هذه الإصلاحات التي ليس لها إلا اسمها من دون أفعالها ونتائجها، فإن الشعب السوري يريد حكماً إصلاحات حقيقية تنقذه من النظام الأسدي الديكتاتوري. لكن يبدو أن الأسد لن ييأس من العمل لتغيير كل المعادلات والنجاح في قلب الهرم رأساً على عقب.
نجاح الأسد في استقدام الدب الروسي الى سوريا والدخول في حرب باردة محدودة، يشجّعه على الذهاب بعيداً في فتح سوريا - الملعب أمام كل اللاعبين، بعد الحرب الباردة، استقدم الحرب ضد القاعدة. كل المعارضة السورية وفي مقدمتها الجيش السوري الحر قاعدة. واقعياً هذه دعوة مكشوفة لعودة العالم الى شن حرب عالمية ثالثة وربما رابعة ضد الإرهاب.
لبنان تحوّل بين ليلة وضحاها في نظر النظام الأسدي الى قاعدة لـالقاعدة. يتناسى أنه هو الأسد الذي صدّر الإرهاب الى العراق ولبنان وجعلهما يعانيان منه دماء ودموعاً وثروات، وأنه حالياً يعيش فترة: بضاعته ردّت إليه. أما التركيز على لبنان فليس أكثر من محاولة لجر لبنان الى بيت العنكبوت مرة أخرى للعيش في الخوف والقلق، والتلويح بالتدخّل العسكري لضرب قواعد القاعدة في شمال لبنان وشمال البقاع من جهة ومن جهة أخرى تحقيق الضغوط عليه.
قد تحصل بعض العمليات العسكرية التخريبية من جانب كتائب الأسد في الشمالين، لكنه لن يحصل على ضوء أخضر من الأمم المتحدة، أكثر من ذلك إذا حاولت قوات الأسد اقتحام الحدود اللبنانية فلا حاجة للبنان لقرار دولي يحول الفيتو الروسي الصيني دون صدوره. لبنان محمي بالقرارين 1559 و1701. لا يعني هذا أن على لبنان واللبنانيين أن يناموا على حرير قرارات مجلس الأمن. من الأفضل التمتع بمزيد من الحذر الشديد. أمام لبنان عبور طويل على حافة النار. النظام الأسدي قادر على ارتكاب كل المحرّمات للبقاء الى الأبد.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.