8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

تقسيم سوريا يُنهي تركيا وإيران ويضرب الأطلسي

هل دخل لبنان المغارة الأسدية؟
المخضرمون الذين تابعوا ولعبوا أدواراً نشطة وأحياناً حساسة منذ 13 نيسان 1975 حتى توقيع اتفاق الطائف وأحياناً ما بعده، يرون أنّ التاريخ يكرّر نفسه أحياناً ولو بشكل هزلي بدلاً من أن يكون مأسوياً. ما يشجّع على هذه الرؤية، أنّ اللاعب الكبير وهو الرئيس بشار الاسد لا يختلف كثيراً عن والده الرئيس حافظ الأسد في تعامله مع لبنان ساحة خلفية يحق له فيها ما لا يحق لأحد. الفرق الكبير بين الأب والابن هو أنّ الأوّل كان كثير الحسابات ودقيقا جداً في خياراته ولا يسمح لأحد أن يرتهنه، لذلك حافظ الأب على دوره لاعباً كبيراً، بينما الابن حوّل سوريا إلى ملعب شاسع، يدخله كل يوم لاعب جديد له موقع وبالتالي حقوق في الأرباح وضريبة في الخسارة. ايضاً وهو مهم جداً، أنّ الرئيس ـ الأب نجح طوال ثلاثة عقود في حماية سوريا من الانقلابات وعدم الاستقرار ولو بأثمان عالية، منها فرض السكون الكامل على جبهة الجولان بعد 1973، استثمره لاحقاً في وضع يده على لبنان، وتنفيذ مجازر حماة التي أدخلت الرعب والخوف في سوريا جيلاً بعد جيل، حتى جاءت الثورة لتكسر حاجز الخوف وتعيد للسوري قدراته على المواجهة طلباً منه للكرامة والحرية. أما الرئيس ـ الابن، فإنّه بعد أربعة عقود دفع سوريا نحو الخراب والخوف عليها من أن تضيع لعقد أو أكثر حتى تقوم، هذا إذا لم يتابع دفعها نحو هاوية التمزيق والتقسيم لينفذ بذلك ما أرادته فرنسا الاستعمارية ونجحت ثورة 1925 التي كانت قيادتها موزعة على سلطان باشا الأطرش زعيم الدروز، عبدالرحمن الشهبندر الطبيب الكردي وسعيد حيدر الحقوقي الشيعي، وهذا دون تناسي أسماء لامعة مثل حسن الحكيم ونجيب الريس وغيرهما في إسقاطه لاحقاً.
من حق الجميع لبنانيين وعرباً أن يخافوا على لبنان من الانزلاق والسقوط في مستنقع الحروب الأهلية، خصوصاً أنّ النظام الاسدي يريد ويعمل على تصدير أزمته إلى محيطه الجغرافي فوضى عارمة تخلط كل الأوراق، ليستطيع أن يفاوض بها على مستقبله. الأسد يعرف جيداً، أنّه أمام المصالح الكبيرة للدول العظمى والكبرى لا توجد مقدسات. كل شيء قابل للتفاوض عليه، بما فيه هو ونظامه، سواء من الروس أو الصينيين أو الأميركيين الذين يتبعون مسار السلحفاة رغم أنّ النار تكاد تحرق الدائرة السورية لتشعل المنطقة.
أمام هذا الاحتمال، يصبح لبنان ممراً إجبارياً للفوضى التي يزرعها. ما يدفعه على ذلك وجود أسديين لبنانيين مستعدين لدعم كل خطواته. ذلك أنّ خطاب بشار الجعفري السفير في الأمم المتحدة خطّت أولى أحرفه مع القول إنّ تنظيم القاعدة دخل لبنان وزرع خلاياه فيه. التركيز على لبنان بهذه الطريقة لا ينحصر فقط في إشغال العالم بخطر القاعدة، الأخطر محاولة إقحام لبنان في أي مخطط تقسيمي لسوريا.
الرئيس بشار الأسد لديه- كما تؤكد مصادر عديدة- خطة لتقسيم سوريا إذا ما أيقن خسارة النظام. ما يريده الاسد إقامة قوس علوي يضم حمص وصولاً إلى لبنان، وإذا سنحت له الفرصة فإنّه يعمل على ضمّ البقاع وصولاً إلى الجنوب. أما شمالاً فإنّه بالتحالف مع الأكراد الأتراك يتصل بالجسم العلوي التركي ويضم الاسكندرون لاحقاً. بهذا يمكن للجمهورية الأسدية الجديدة أن تحظى بأسباب الحياة الكاملة.
لم يعد خافياً على الأتراك أن الأسد يعمل على نقل الفوضى إلى تركيا عبر تنشيط الخط الغربي من تركيا، بواسطة دعم الأكراد في عملياتهم العسكرية التي كان من أبرزها عملية في محافظة هاتاي في الاسكندرون.
طموحات الأسد أكبر بكثير من قدراته، خصوصاً أنه لم ينجح رغم كل الحديد والنار في ضرب إرادة الشعب السوري. مثل هذا المخطط يعني مباشرة تقسيم تركيا أولاً. سقوط تركيا، يعني سقوط عضو في الحلف الأطلسي، وخط الدفاع الأول عن أوروبا من جانب روسيا. ايضاً تقسيم تركيا يعني فتح الباب على مصراعيه أمام تقسيم إيران وإعادة رسم خريطة جديدة لآسيا الوسطى وجمهورياتها الإسلامية وفتح الشهيّة الروسية عليها باسم الأمن والاستقرار ومواجهة التطرّف الإسلامي. فهل تتحمّل تركيا إلغاءها من الخريطة، وهل تقبل إيران تقسيمها وتقزيمها وهي التي تحلم بأن تكون دولة اقليمية كبرى معترفا بها رسمياً من الغرب؟ وهل انتهت الولايات المتحدة الأميركية ومعها دول الاتحاد الأوروبي ولم يعد أمامهم سوى إقفال حدودهم طلباً للنجاة من الأسد؟
لا شك أنّ خيالاً مريضاً يجيز مثل هذه الخطة، تركيا والحلف الأطلسي، لن يتوانيا عن اجتياح سوريا كلها على غرار العراق. الانقطاع عن العالم، وإسقاط الواقعية السياسية، تدفع أي نظام خصوصاً الديكتاتوري منها، إلى الانتحار طلباً للنجاة. أن يقدم النظام الأسدي على تنفيذ الروليت البلجيكية (أي تذخير المسدس كاملاً وليس كالروليت الروسية برصاصة واحدة) ضدّ نفسه. أن يلحقه بعض اللبنانيين إلى الانتحار جارّين معهم كل لبنان، فهذه جريمة موصوفة وعن سابق تصور وتصميم، على الأقل ليعمل الآخرون من اللبنانيين على منع وقوع الجريمة بمزيد من الوعي وكسر إرادة النظام الأسدي في فرض الفوضى والخراب للنجاة من سقوط له معلن ومبرمج.
[email protected]

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00