8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

مصر بين الشيخ والجنرال!

عادت مصر لرسم المسارات في الوطن العربي وكل منطقة الشرق الأوسط. الدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية، سلكت مساراً مستقيماً على مساحة المنطقة كلها. مهما كانت النتيجة قاسية وصعبة على البلع والهضم خصوصاً لثوّار ميدان التحرير، يجب قبولها والأخذ بها، لأنّها جاءت نتيجة الاختيار الحرّ للشعب المصري. الانتخابات الرئاسية كانت حرّة وإن شابتها شوائب عديدة.
ليس قليلاً أن تجري مثل هذه الانتخابات في مصر، ويختار الشعب المصري رئيساً له لأوّل مرّة منذ سبعة آلاف سنة. ليس بسيطاً أنّ الرئيس المصري الجديد لن ينتخب بأغلبية 99,99 في المئة. حتى مساء 18 حزيران لم ينجح أحد في تحديد المرشح الفائز: الشيخ محمد مرسي أم الجنرال أحمد شفيق. عوامل كثيرة ستلعب في بلورة النتيجة، تماماً كما حصل في الدورة الأولى، حيث بقي التنافس قائماً حتى اللحظة الأخيرة بين أربعة مرشحين بينهم حمدين صباحي وأبو العلا ماضي.
فرزت الدورة الأولى خريطة سياسية جدّية ومنطقية. تضاريس الخريطة وألوانها لم تكتمل بعد. يجب انتظار تطورات كثيرة وعميقة وعلى أجلين متوسط وبعيد حتى يقع اليقين الواقعي. المرشحون وما حصلوا عليه من أصوات تؤكد أنّ كل القوى السياسية أصبحت موجودة ولها صوت مسموع بنسب متفاوتة في مصر العميقة. التصحّر السياسي الطويل غرق في التسونامي الشعبي لثورة 25 يناير. في مصر الجديدة يتعايش اليوم حسن البنا وسيد قطب وجمال عبدالناصر وسعد زغلول وأنور السادات وثوار 25 يناير والأزهر والكنيسة جنباً إلى جنب. أمام مصر الكثير من التحوّلات حتى تستقر وتتبلور فيها القوى القديمة والوليدة. يجب التوقف عن إعلان اليأس في كل مرّة تقع فيه مفاجأة غير محسوبة. ما حصل في مصر ثورة وليس انقلاباً عسكرياً. البلاغ رقم واحد يضع الأطر والقواعد ويثبِّت أوامر التشكُّل. في الثورة، كل يوم يحمل معه جديداً، لأنّ ما يحصل زلزال كبير تتبعه زلازل ارتدادية بعضها يكون أقوى وأكثر تأثيراً، لذلك تكون الأحداث متلاحقة والتغييرات عديدة والمفاجآت كثيرة.
سواء انتُخب الشيخ أو الجنرال، فإنّ أمام مصر ومعها الرئيس المنتخب امتحانات متعدّدة بعضها من نوع السير في حقل مليء بالألغام. البارز حتى الآن أنّ مصر تعيش على وقع ثلاث كُتل ضخمة التنافس فيما بينها حاد وعميق. وفي الوقت نفسه فإنّ تحالفات طارئة قد تغيّر الخريطة لكن وجود شباب ثورة 25 يناير نوبة صاحي (أي الوحدة العسكرية التي تحرس وتصحو في الليل أمام أي طارئ أو غازٍ) يبقى ضماناً أساسياً في عدم حرف إرادة الشعب المصري.
[ كتلة الإسلاميين من اخوان مسلمين وسلفيين وصوفيين، رغم كل الفروقات والخصومات فيما بينها، تخوض حرباً حقيقية لوضع يدها على الإرث المصري كما هو دون طرح سؤال أساسي على نفسها وهو هل هي قادرة وحدها على إدارة هذا الإرث الضخم وتلبية مطالب الشعب المصري في الخبز والكرامة والحرية؟. الاخوان وهم الصخرة في هذه الكتلة أمام امتحان صعب، عماده الوقوع بين الجشع والقدرة على الهضم. من المهم جداً ملاحقة مسار الاخوان خصوصاً على صعيد التحالفات والتفاهمات. من حظ مصر، أنّ مرشحهم محمد مرسي وقع في مواجهة أحمد شفيق وصعود حمدين صباحي، وأن عليه تقديم تنازلات حقيقية، وإلا لن ينجح. الإسلاميون خسروا بين انتخابات مجلس الشعب والدورة الأولى للانتخابات الرئاسية حوالى 25 في المئة من الأصوات. لا شك أنّهم سيخسرون أكثر فأكثر كلما ازدادت شراهتهم للسلطة وارتفع منسوب سوء الهضم عندهم. أيضاً وهو مهم جداً، هل يكون مرسي إذا انتُخب رئيساً فعلياً أم رئيساً يديره بدل المرشد الواحد كما في إيران مرشدان: مرشد الاخوان محمد بديع، والرجل القوي خيرت الشاطر.
[ كتلة العروبيين والليبراليين والوسطيين التي أنتجت مفاجأة حمدين صباحي. بعد أربعين سنة تأكّد أنّ العروبة ما زالت مزروعة في أعماق مصر. ولا شك أنّ الأداء الممتاز لصباحي في الانتخابات هو الذي دفعه إلى الموقع الثالث. لقد أصبح التيار الذي يمثّله صباحي حلمنا كلنا فور إعلان النتائج. أيضاً وهو مهم جداً، ان أصوات المصريين في المدن والأقاليم النامية اقترعت لصباحي في حين ان الاقاليم الفقيرة والمتخلفة اقترعت لمرسي، مع كل ما يحمل ذلك من دلالات على طبيعة التحولات المستقبلية.
[ المؤسسة العسكرية التي رغم كل وطنيتها فإنّ تحوُّلها على مدى أربعة عقود إلى كتلة لها مصالحها الاقتصادية الضخمة جعلها في موقع الدفاع المباشر عن هذه المصالح. لذلك فإنّ كيفية تعامل هذه المؤسسة مع الرئيس القادم والعكس صحيح هو الذي سيظهِر الخريطة السياسية في مصر. سؤال كبير وملحّ مطروح اليوم ومستقبلاً في مصر: هل تختصر المؤسسة العسكرية المصرية الزمن وتتطوّر بسرعة بحيث تصل إلى الموقع الذي وصلت إليه المؤسسة العسكرية التركية حالياً، أم أنّها ستكرّر التجربة العسكرية التركية فتغرق مصر في مسلسل من الانقلابات والضغوط لفترة طويلة حتى تستسلم أمام الديموقراطية؟
رغم أن على المصريين الاختيار بين الشيخ محمد مرسي والجنرال أحمد شفيق، فإنّ مصر عادت لتعيش على وقع الخيار بين هويتين عابرتين للحدود، الإسلامية والعروبية، وهذه معركة طويلة لن تنتهي بين ليلة وضحاها، حتى ولو اختار المصريون محمد مرسي وهو بالنسبة للكثيرين بـطعم العلقم، حتى لا يعود العسكر والمباركيون إلى السلطة مع الجنرال شفيق، فإنّ مصر تكتب على المدى الطويل مستقبلها ومستقبل الوطن العربي.
[email protected]

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00