ربح القيصر الجديد فلاديمير بوتين، رهانه. أصبحت روسيا لاعباً مركزياً في الملف السوري. لا يوجد حل من دونها. دفعت موسكو الثمن بسخاء، فوقفت الى جانب النظام الأسدي، وتجاهلت مواقف الثوار السوريين، والعرب المحتجين، والغرب المستاء. الآن، اعترف الجميع أن لموسكو دوراً حاسماً في الملف السوري. بهذا الاعتراف يدخل فلاديمير بوتين المسرح السياسي الدولي من موقع قوي. الاتحاد السوفياتي خسر الحرب الباردة، روسيا ـ بوتين ربحت معركة مهمة في هذه الحرب المجددة على وقع دماء السوريين. لا حساب للشعوب أمام المصالح. يتناسى البعض أو يتجاهل أن الحرب الباردة دارت بين الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة الأميركية على مساحة العالم وفي أكثر من مائة حرب محلية وإقليمية وحتى دولية. طوال نصف قرن لم يبك السوفيات ولا الأميركيون الضحايا. وحدها الشعوب الذبيحة عانت وتألمت وبكت رغم بعض الانتصارات التي وصفت بالعظيمة كالحرب في فيتنام.
الرئيس فلاديمير بوتين، اختار العودة رئيساً الى المسرح الدولي، من البوابة الأوروبية برلين وباريس. مجزرة الحولة كانت حاضرة في الجولتين. الملف السوري كان أساسياً لأنه ملف مشتعل يهدد بإحراق دائرة واسعة من المنطقة. مجزرة الحولة والخوف من الحرب الأهلية، أذابا الى حد ما الموقف الجليدي لروسيا. المعادلة أصبحت معروفة. يجب منع إشعال الحرب الأهلية أولاً وقبل أي شيء آخر. لكن ما العمل، طالما أن الحل الليبي ممنوع ومستحيل. التدخل العسكري مرغوب من بعض الدول، لكن دون قرار دولي، لن يقدم أحد على مثل هذه المغامرة. الفيتو الروسي ـ الصيني يحول دون صدور هذا القرار. هنا يأتي دور القيصر الجديد بوتين. مصادر مطلعة في باريس، سواء كانت فرنسية أو سورية معارضة تربطها علاقات مع موسكو، رسمت خريطة أولية للموقف البوتيني.
أصبحت موسكو البوتينية مقتنعة بعدم إمكانية بقاء الرئيس بشار الأسد ونظامه، وتريد البحث عن بديل منه يضمن بقاء الدولة السورية بكامل مؤسساتها، خصوصاً الجيش منها، لان انهيار الدولة السورية يعني تحويلها الى دولة فاشلة مفتوحة الحدود لكل المجموعات المسلحة غير المضبوطة والمنضبطة، وهذا ما لا تقبل به بطبيعة الحال الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا. هذه النقطة المشتركة يمكن الانطلاق منها للاتفاق على حل نهائي يتم من خلال اصطياد موسكو ثلاثة عصافير بحجر واحد هي: التخلص من الأسد ونظامه مما يرضي المعارضة. عدم سقوط سوريا في الحرب الأهلية وتحولها الى دولة فاشلة بكل ما يحمل ذلك من أخطار. محافظة روسيا على موقعها ومصالحها التاريخية في سوريا، وفي الوقت نفسه تسترضي الدول العربية التي خاصمتها بسبب وقوفها مع النظام الأسدي، وأخيراً تكون قد أكلت من صحن الثأر من الحرب الليبية بارداً.
يعود الاقتناع الروسي بوجوب البحث عن بديل للأسد ونظامه، أن الجيش السوري يعاني بعد 15 شهراً من المواجهات والانتشار والتقدم والتموضع والانسحاب من تراجع واضح في قدراته على توجيه ضربات موجعة لخصومه من عسكريين ومدنيين. هذا الضعف تتابعه موسكو يومياً وهي الأكثر خبرة ومعرفة دقيقة بالجيش السوري من قاعدته الى قمته. تعرف موسكو أيضاً أنه آجلاً أم عاجلاً سيضطر هذا الجيش الى الانكفاء لحماية مواقع معينة مما سيفرغ مناطق واسعة خصوصاً في الريف السوري ويجعله مفتوحاً أمام إعادة تشكل قوى المعارضة المسلحة والمدنية وتسهيل تمرير المساعدات العسكرية وغيرها الأمنية من الخارج، وصولاً الى إقامة ممرات إنسانية تمهد لكل أنواع التدخلات خصوصاً إذا ما قطعت الحرب الأهلية خط الرجعة وصارت فعلاً يومياً على مساحة سوريا.
على هذا الصعيد، بدا لافتاً بداية دخول إسرائيل إعلامياً على خط الوضع العسكري في سوريا، سواء في التركيز على أن يضم 1200 ضابط كبير بينهم ألف ضابط علوي و200 موزعين على السنّة وباقي الأقليات، وأن الجيش الإسرائيلي اضطر لقذف الطعام عبر الحدود في الليل الى الجنود السوريين المقطوعين على جبهة الجولان، مما يدفعهم أيضاً لترك مواقعهم خالية والالتحاق بعائلاتهم.
هذا التركيز على الوضع الميداني يقود الى تركيز على شكل الحل الذي ستعمل موسكو بموافقة أميركية ـ فرنسية ـ ألمانية على تنفيذه، وهو يقدم في حال رفض الأسد لحل يمنيّ معدل على الانقلاب العسكري الذي يطيح النظام الأسدي من دون الدولة السورية، وفي الوقت نفسه تقديم ضمانات حقيقية للعلويين أن مستقبلهم مضمون في التركيبة الجديدة للنظام، مما يعني أيضاً عدم تعرضهم لأي ردود فعل انتقامية مثلهم في ذلك مثل باقي الأقليات القلقة على مستقبلها.
ثلاث خطوات دولية، ستسبق تنفيذ قرار الانقلاب العسكري:
[ اليأس من نجاح خطة كوفي أنان بعد إعطائها الوقت الكافي.
[ عقد مؤتمر لأصدقاء سوريا في فرنسا.
[ عقد مؤتمر دولي حول سوريا في موسكو بموافقة غربية وعربية.
السرعة في تنفيذ هذه الخطوات مرتبطة بلا شك في تسارع انحدار سوريا نحو الجحيم، مما يسرّع التوافق الأميركي الروسي. بهذا سيدفع الأسد الذي أشعل الحرب الباردة من جديد، ثمن إطفائها.
[email protected]
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.