حالة سوريا، تتجاوز بكثير حالة كوسوفو، في أخطر مراحلها. تعيش الحالة السورية على وقع حرب باردة صغيرة، لكنها حساسة ومربكة، لأنها الأولى من نوعها منذ انتهاء الحرب الباردة وتفكك الاتحاد السوفياتي. خطورة الحالة السورية أنّ الحلول معلّقة والعجز واضح، وتصعيد منسوب القمع والقتل والتهجير مستمر. النظام الأسدي يدفع باتجاه السقوط في نار الحرب الأهلية تأكيداً منه لمقولته الأحادية ان كل ما يجري هو نتاج مؤامرة اقليمية دولية ضدّ دوره في دعم المقاومة وقيادة الممانعة في المنطقة ضدّ إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية.
إنكار النظام الأسدي لثورة الشعب السوري ضدّ الظلم والقهر والفقر مستمر. خطاب الرئيس بشار الأسد في افتتاح مجلس الشعب الجديد يؤكد ذلك. كل ما يعمل له النظام الأسدي هو الاستمرار في العملية الجراحية التي يقوم بها مثله مثل أي طبيب يريد شفاء مريضه. نجاح العملية الجراحية، يكتمل فيما بعد بتنفيذ الإصلاحات. الرئيس الأسد قدّم نموذجاً للإصلاحات التي ينفذها من خلال مجلس الشعب الجديد، الذي عندما قال لنقف فوقف جميع النواب المنتخبين تنفيذاً لأمره، ثم جلسوا عندما أفهمهم أنه لا يقصد الطلب منهم الوقوف. هذه الصورة تبدو هزلية بالنسبة لكل البرلمانات في العالم، إلاّ في سوريا فإنّها حقيقية جداً بقدر ما هي مؤلمة.
استمرار التصعيد، يقفل كل الآفاق نحو الحل. الأخطر أنه يحدث تفككاً بطيئاً لسوريا، مع مؤشرات تراجع واضح للمجتمع، يؤدي ذلك إلى تغييب الدولة واللجوء الشعبي إلى العائلة والقبيلة والطائفة، مع ما يؤدي ذلك إلى فكفكة سوريا وتحويلها لسنوات طويلة دولة فاشلة.
التصعيد ليس فعلاً سورياً داخلياً فقط. إنه وليد جمود وعجز عربي وإقليمي ودولي كامل. ولعل أبرز مؤشرات هذه الحالة تتبلور في:
[استمرار سيف الفيتو الروسي الصيني مصلتاً على أي قرار يمكن أن يصدر عن مجلس الأمن.
[إصرار موسكو على الحل من داخل النظام الأسدي القائم. هذا الإصرار مرتبط بالدفاع عن مصالحها في حوض البحر الأبيض المتوسط، واستثماره في الحصول على تنازلات أميركية في مواقع أخرى.
المشكلة أنّ موسكو غير مستعجلة. وواشنطن غير قادرة على الحسم قبل الانتخابات الرئاسية الأميركية في مطلع تشرين الثاني المقبل. حتى ولو كان فلاديمير بوتين متأكدا من أنّ باراك اوباما سيعاد انتخابه، فإنّه من الافضل له الاتفاق مع رئيس مُنتخب على الاتفاق مع رئيس سيُجدَّد له.
[إنّ واشنطن في تنفيذها لأي حل تريد معرفة مكان ومردودات توظيفه ضمن استراتيجيتها.
[إنّ العجز العربي قائم ومستمر رغم الخوف من تحوّل القتال في سوريا إلى صراع طائفي يمزّق العالم الإسلامي مذهبياً أكثر مما هو ممزّق. العرب لا يمكنهم فرض قرار تحت الفصل السابع يتم من خلاله استخدام القوّة العسكرية، ولا هم قادرون على التدخّل عسكرياً لأنهم كما يقول وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل إنّ الأحداث التي تشهدها بعض الدول العربية تجعل من الصعب القيام بأي عمل عسكري.
العجز القائم، لا يعني شلل الأطراف المعنية. واشنطن تبحث جدّياً عن حل بالاتفاق مع موسكو. تأكيد هيلاري كلينتون انّ تنحّي الأسد ليس شرطاً وإنما نتيجة، يفتح كوّة أمام الموقف الجليدي لروسيا. أيضاً بيان الاجتماع الوزاري العربي في قطر انّ اللجوء إلى الفصل السابع يكون بما تضمنه من وقف الصلات الاقتصادية والمواصلات الحديدية والبحرية والجوية والبرقية واللاسلكية وغيرها من وسائل الاتصالات وقفاً جزئياً أو كلياً وقطع العلاقات الديبلوماسية، هو خطوة قابلة للبحث.
التسريبات عن إمكانية اتفاق واشنطن وموسكو على الحل الانقلابي بحيث يتم التخلص من النظام الأسدي وتضمن موسكو وصول نظام يحافظ على الدولة السورية الحليفة لها، (كانت هذه الزاوية قد أشارت إليها بالتفصيل يوم السبت الماضي)، يلاقي صدى رغم أنه يطرح أسئلة كثيرة مشروعة وشرعية، منها: ما هو موقع المعارضة السورية خصوصاً التنسيقيات في نظام انقلابي جديد؟ ماذا سيكون موقع لبنان وحزب الله؟ وماذا عن إيران وموقعها في سوريا وهل ستأخذ موسكو وواشنطن برأيها؟ وإذا لم يأخذا برأيها هل تستسلم أمام قرارهما؟.
أمام هذه الأسئلة وغياب الإجابات عليها، يطرح بعض الخبراء في القانون الدولي وفي عمل الأمم المتحدة حلاً آخر وهو اللجوء إلى القرار 377 لعام 1950 بعنوان: الاتحاد من أجل السلام. وهذا القرار نُفِّذ في مواجهة الحرب الكورية بعد أن هدّد ما جرى فيها الأمن والسلم العالميين وعجز مجلس الأمن من القيام بمسؤوليته نتيجة لاستخدام الاتحاد السوفياتي حق الفيتو ضد أي قرار أو أية تدابير تطال كوريا الشمالية؛ أما آلية العمل في التوصل إلى هذا القرار وتنفيذه الذي يلغي أثر الفيتو في مجلس الأمن لأنه يتم نقل مشروع القرار من مجلس الأمن إلى الجمعية العامة الذي عندما تتبنّاه بعد مناقشته بوجود الدول الخمس دائمة العضوية التي تشارك أيضاً في الاقتراع بوصفها ناخباً عادياً مماثلاً لباقي أعضاء الجمعية. وقد جاء في نص القرار 377 ما يلي: تقرّر أنّه في حال فشل مجلس الأمن بسبب فقدان إجماع الأعضاء الدائمين في ممارسة مسؤوليته الرئيسية بالحفاظ على السلم والأمن العالميين في كل حالة يظهر فيها تهديد للسلم أو خرق له أو عمل عدائي، فإنّ الجمعية العامة تنظر في الموضوع فوراً بقصد اتخاذ التوصيات المناسبة وذلك من أجل صون السلم والأمن الدوليين أو إعادتها الى نصابها. وإذا لم تكن الجمعية العامة في دورة انعقاد في غضون ذلك، تنعقد جلسة طارئة خلال 24 ساعة من طلب انعقادها لهذه الغاية.
الأمين العام لجامعة الدول العربية نبيل العربي سيلتقي في نيويورك يوم الخميس المقبل الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، فلماذا لا يكون القرار 377 بنداً على جدول أعمالهما حتى ولو كان المطلوب حالياً استمرار مهمة كوفي أنان؟. أيضاً بعض الخبراء يرون إمكانية تطوير مهمة كوفي أنان والمراقبين في اطار القرار 377.
باختصار شديد، يجب وقف شلال الدم في سوريا وإعطاء الشعب السوري بسرعة الحق في العيش بسلام وأمن وكرامة واطمئنان وأن أحداً لن يصادر حرّيته ومعها حرية اللبنانيين والفلسطينيين مرّة أخرى.
[email protected]
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.