لم يعد الديبلوماسيون الغربيون الذين يلتقون المسؤولين الروس، يستغربون الكذب الروسي ولا حجمه ولا نوعيته حول سوريا. أصبح هؤلاء الديبلوماسيون وحتى الموفدون الغربيون، يعتبرون هذا الكذب طبيعيا. المهم ماذا يقول الروس في الغرف المقفلة؟ مثل كل المفاوضات، يكون كل شيء على الطاولة والبحث يسقط الخطوط الحمراء.
البحث في رسم خريطة ما بعد بشار الأسد ونظامه الاسدي، جدّي جداً. تعقيدات موقع سوريا الجيوستراتيجي من جهة، والتركيبة الفسيفسائية للمجتمع السوري من جهة أخرى، ترفعان من منسوب الحذر. على الأقل توجد نقطة مشتركة بين الروس والغرب حول سوريا، وهي ضرورة عدم انهيارها وانزلاقها نحو الحرب الأهلية الشاملة.
بشار الأسد لن يبقى. السؤال كيف ومتى؟ الروس لا يريدون خروجه في البداية. الشرط الأول أن يكون خروجه نقطة النهاية. ضمن هذا التجاذب، ما هي الضمانات التي ستقدمها موسكو، حتى لا يتلاعب الأسد بمسار التغيير. الروس يؤكدون انهم إذا حصلوا على ضمانات محددة يضمنون بدورهم الحل الذي سيكون من قلب خصوصية سوريا، وليس قياساً على مصر أو اليمن أو العراق. توجد نقطة مركزية في كل ذلك. ان النظام يرحل لكن الدولة تبقى. بقاء الدولة يطرح جملة من القضايا الشائكة والمفصلية. رداً على ذلك يريد الروس:
[تقديم ضمانات جدّية وحقيقية للأسد والمحيطين به بألا يُلاحَقوا قضائياً ولا أمنياً. السؤال هنا مَن هي الشخصيات التي تلحقها هذه الضمانات، خصوصاً وأنّ لوائح العقوبات الغربية ضدّ المسؤولين السوريين واسعة وتضم أسماء يفضّل الروس بقاءهم في سوريا وأن يلعبوا دوراً في المرحلة الانتقالية.
مجرّد طرح تحديد مَن يبقى ومَن يخرج بدأ يثير العواصف داخل النظام الأسدي. ولا تستبعد بعض الأوساط الغربية أن يؤدي ذلك إلى شروخ داخل النظام. وتؤشر هذه المصادر إلى عدم استبعادها بأن تكون عملية تسميم مجموعة الخمسة وأبرزهم آصف شوكت، قد جرت بتوجيه من حلقة لصيقة بالأسد على رأسها شقيقه ماهر الأسد الذي يبقى مصيره لصيقاً بمصير شقيقه الرئيس.
[تقديم ضمانات حقيقية ومفصلية للجيش وضباطه خصوصاً العلويين منهم إلى جانب الطائفة العلوية، بأنهم لن يُلاحَقوا ولن يُعاقَبوا ولن يُجتثوا. ويبدو أن هذا الشرط مفهوم ومقبول حتى من المعارضة السورية التي أكدت مراراً انها لن تكرر التجربة العراقية التي جرت. باختصار لا اجتثاث ولا استئصال في الجيش ولحزب البعث.
[المحافظة على المصالح الروسية في سوريا خصوصاً التواجد البحري في طرطوس وايضاً تسليح وتدريب الجيش السوري.
من ضمن هذه الضمانات، أن يكون أي مجلس عسكري انتقالي على الصيغة المصرية إذا جرى التوافق عليه يضم ضباطاً من الذين بقوا في الجيش طوال الأزمة إلى جانب ضباط انشقوا عنه. طبعاً الروس الذين يعرفون تفاصيل تركيبة الجيش قادرون على ترتيب الأوضاع المستقبلية.
حتى يأتي الاتفاق النهائي، وهو ليس قريباً جداً، إلا إذا فرضته تطورات ميدانية معينة، فإنّ الروس ماضون في دعم الحل العسكري بكل قواهم لأنهم يعتبرون أنّ هذا الدعم هو الذي يمنحهم المصداقية في التفاوض. ولذلك فإنّ عواصم غربية عديدة ومنها باريس متأكدة من مشاركة روسية ميدانية إلى جانب وحدات سورية مقاتلة. وأنّ وحدات من المقاتلين الروس في الشيشان سابقاً يلعبون دوراً في هذه المشاركة، إلى جانب الحضور الاستخباراتي والالكتروني الطاغي.
من الآن وحتى يتم التوقيع النهائي على خطة الحل، فإنّ المؤتمرات ستتوالى، وصولاً إلى الطائف الروسي. لا شك أنّ الخطوة الأولى على طريق توحيد المعارضات السورية التي أساءت انقساماتها وتشوّهاتها وخصوماتها نضالات الشعب السوري، قد بدأت. اختيار 16 شخصية من كل أطياف المعارضة للتفاهم على رؤية مشتركة تكاد تكون شبيهة بالتحضيرات التي سبقت مؤتمر لندن للمعارضات العراقية.
لن يبقى الأسد. قد ينفذ بجلده، ويجد له الروس ملجأ يصرف فيه أمواله عندهم أو في الصين بعيداً عن إيران (لأنه علماني جداً). المؤلم في كل ذلك أنّ جريمة تاريخية قد وقعت من النظام الأسدي من الأب الى الإبن ضد سوريا. حتى ولو توقف القتال اليوم، فإنه يلزَم سوريا أكثر من عشر سنوات للتعافي وإعادة البناء.
لم يكفِ أنّ الأسد الأب والأسد الإبن، لم يعملا شيئاً لتحرير الجولان وانهما مزّقا لبنان والفلسطينيين. ها هو الأسد الإبن يلغي دور سوريا لسنوات طويلة ويُدخِل معها القضية الفلسطينية في غيبوبة أطول.
[email protected]
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.