8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

مرسي الإخواني بين العسكر والقوى الثورية

انتخاب محمد مرسي رئيساً، لحظة حاسمة لمصر وللربيع العربي. يمكن لأي عربي وأي أجنبي، أن لا يحب مرسي الإسلامي القادم من تنظيم الاخوان المسلمين. ايضاً من الطبيعي جداً أن لا يشاطره الكثيرون ايديولوجيته الإسلامية. يكفي أنّ نصف الناخبين المصريين قالوا لا له، وأنّ نسبة مهمّة من الذين صوّتوا له فعلوا ذلك كراهية بالفلول والنظام القديم وليس حبّاً ولا تقديراً ولا تأييداً له ولالتزامه السياسي.
ممكن لا بل طبيعي جداً عدم الوثوق بـالاخوان المسلمين. لقد أثبتوا طوال الأشهر الماضية شراهة للسلطة، أفقدت الثورة وقتاً ثميناً ونجاحات كانت مرسومة. لا يمكن أن ينسى أي مصري وأي عربي أنّ الاخوان المسلمين أخلّوا بتعهداتهم والتزاماتهم واجتاحوا كل السلطات دون وعي لوجود قوى أخرى مهمّة تستحق الوجود وحق الممارسة حتى ولو كانت غير منظمة ومؤطرة. كان يمكن أن يكون الوضع أفضل وأجمل وواعداً أكثر. كان يمكن أن تكون مسارات الثورة أقوى وأنتج وأنضج. رغم ذلك فإنّ انتخاب محمد مرسي رئيساً لمصر، بحد ذاته ثورة.
محمد مرسي، هو أوّل رئيس مدني في مصر، مثلما هو أوّل إسلامي يتولى رئاسة مصر. مرسي يملك بلا مناقشة ولا تحامل ولا محاباة، الشرعيّة الديموقراطية التي لم يملكها أي رئيس مصري. جمال عبدالناصر حاز على الشرعيّة الشعبية بجدارة واستحقاق، لكن انتخابه دائماً بنسبة 99,99 في المئة كان لا علاقة له بصناديق الاقتراع مهما كانت شرعيته الشعبية كاسحة. هذه الشرعية التي يملكها محمد مرسي الرئيس، هي سلاح إن أحسن استعماله تجاوز الكثير من حقول الألغام التي عليه اجتيازها في الفترة المقبلة. مشكلة مرسي الكبيرة أنّه ليس أمامه الكثير من الوقت ليثبت أنه قادر على حمل وتحمُّل المهمة أو يخسر. المصريون ليسوا وحدهم الذين ينظرون إلى الرئيس المنتخب مرسي. العالم كله ينظر إليه وسيتابعه يوماً بعد يوم.
انتخاب محمد مرسي طرح أسئلة كثيرة، بقدر ما أجاب على أسئلة مهمّة.
لا شك أن الرئيس مرسي، عرف كيف يقدّم أوراق اعتماده الى الشعب المصري أولاً وإلى العالم ثانيا. أكثر من الالتزام بأن المصريين كلهم أبناء عشيرته. المهم التنفيذ. أول خطوة على هذا الطريق، في تشكيل الإدارة والوزارة، هل يكون الأقباط مجرد ديكور أم قوة لها حضورها والموقع الذي تستحقه من دون تحفظات؟ أي خطوة تفسّر بأنها إلغاء للحضور القبطي، تلغي مصداقية كل الالتزامات الرئاسية والاخوانية. هذا جزء من الصورة. الجزء المهم والأساسي هو هل يقدم مرسي ومعه الاخوان على فعل المشاركة والشراكة الكاملة مع كل قوى الثورة والتغيير، أم يتم تجاهل مفاعيل موقعهم ودورهم وحقوقهم التي هي أولاً وأخيراً من نتاج الثورة التي قدّموا لانتصارها حتى الآن الشهداء والتضحيات. فيسقط الاخوان قبل سقوط مرسي؟.
أيضاً قدّم الرئيس المصري المنتخب الضمانات للمؤسسة العسكرية, رغم ذلك فإن أمام الرئيس مرسي معارك كثيرة مع المؤسسة العسكرية حول صلاحياته. يحتفظ المجلس العسكري بحق الفيتو على أي مشروع قانون وميزانية الدولة، كما ان له حق مراقبة الدستور الجديد والحصانة الكاملة للمجلس بتشكيلته القائمة، وأخيراً وليس آخراً، بين أيدي الجيش كل مسائل الأمن القومي. رغم اختلاف الظروف والمكونات، فإن علاقة محمد مرسي مع المؤسسة العسكرية تشبه في حيثياتها المرحلة الاربكانية في تركيا. تحالف القوى الثورية كلها ومن ضمنها الاخوان هو الذي يسرع في اختصار المراحل زمنياً، وصولاً الى المرحلة الأردوغانية.
مهما بلغت مقاومة المؤسسة العسكرية للتسليم بالسلطة للقوى المدنية، فإن ولادة التحول من قلب صناديق الاقتراع ستفرض حكماً مساراً لا يمكن مقاومته طويلاً، حيث نهايته قيام السلطة المدنية المستندة الى فصل السلطات بشكل كامل، وحيث مقر الجيش في الثكنات وعلى الحدود لحماية الوطن.
أما بالنسبة للعالم، فإن مرسي أكد التزامه بكل المعاهدات الدولية وفي مقدّمها معاهدة كامب دايفيد. من الخطأ الطلب من مرسي أو أي رئيس غيره لفترة طويلة إلغاء اتفاقية كامب دايفيد، لأن مثل هذا الطلب يعني أن يطلق النار على نفسه. أمام مصر استحقاقات أمنية واقتصادية أكثر إلحاحاً. إلغاء كامب دايفيد يعني دخول مصر دائرة الحرب، فهل هي قادرة على ذلك؟ لا داعي للمزايدة على مصر في هذا المجال.
يبقى أن الرئيس مرسي تعمّد أن لا يتكلم عن سياسة مصر العربية، في زمن الربيع العربي. ليس أمراً سهلاً الدخول في هذا الوضع الضبابي. لكن لا شك في ان مصر مضطرة لاتخاذ مواقف عربية من الموقع الذي كان لها دائماً وهو موقع الريادة والدور وصياغة المسارات. لا يمكن لمصر خاصة في ظلّ رئيس جمهورية إخواني، أن تقف صامتة أمام ما يجري في سوريا. كلما سرّعت مصر في اتخاذ الموقف الطبيعي الذي يليق بمصر الثورة كلما كان ذلك أفضل لمصر ولسوريا وللعرب. في جميع الأحوال، بدأت مفاعيل عودة مصر للظهور. حماس خرجت من تحت الخيمة السورية الإيرانية، ودخلت كما يجب أن يكون الوضع الطبيعي لها في الخيمة المصرية. لهذا الانتقال مفاعيل ولادة مهمّة جداً على الوضع الفلسطيني وعلى تحالفات حماس مع محيطها كله، الفلسطيني والعربي على السواء.
أخيراً، تباشير الربيع العربي... ربيع مصري!
[email protected]

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00