تبقى الساعات الأخيرة من المفاوضات، في أي مفاوضات، هي الأصعب والأدق. كل طرف يبذل جهوده لتحسين موقعه التفاوضي ورفع منسوب شروطه المقبولة تمهيداً للحصول على أقصى ما يطمح إليه بأقل كلفة ممكنة. الاجتماع بين هيلاري كلينتون وسيرغي لافروف في بيترسبورغ، هو الذي سيقرّر في النهاية عقد مؤتمر جنيف أو تأجيله. قبل ذلك، الاتحاد الأوروبي وقف صفاً واحداً خلف كلينتون وطالب بوقف أشكال القمع كافة وبدء عملية تسليم السلطة في سوريا. في حين أنّ السفير الصيني في موسكو التقى نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف فأكدا تطابق الآراء من ممارسة الإملاءات الخارجية في الشؤون السورية.
موسكو تريد أن تكون خطة كوفي أنان التي أصبحت معروفة نقطة بداية لمفاوضات طويلة. واشنطن والاتحاد الأوروبي والعرب يريدونها خطة تنفّذ بنودها لإخراج سوريا من انزلاقها السريع نحو الحرب الأهلية. كلمة واحدة تلخص مركز الفراق الغربي والعربي عن الروسي والصيني والإيراني. التحالف الأوّل يريد وقف القمع، التحالف الثاني يطالب بـوقف العنف. كلمة ثانية تشكّل الاطار الحقيقي للحل وهي تتعلق بمتى يرحل بشار الأسد؟ في الأساس أصبح الأسد نقطة تفاوض. إذاً، العد العكسي بدأ لرحيله باتفاق دولي، إن لم يكن اليوم فخلال أشهر قليلة، الخاسر فيها الشعب السوري لأنّه هو الذي يدفع وسيدفع ثمن هذه الحرب الباردة الصغيرة.
بشار الأسد ومعه كل النظام الأسدي لا يريد انطلاق الحل السياسي، لأنّه يعرف أنّ نهايته نهاية له. التصعيد العسكري بالنسبة إليه هو كل شيء. حمص بالنسبة إليه مدينة ساقطة عسكرياً، علماً أنّ أكثر من نصفها دُمِّر بالمدفعية الثقيلة والراجمات. المعركة القادمة ضدّ ادلب. زيارة برهان غليون الجريئة لها وضعتها في عين العاصفة. النظام الأسدي يريد توجيه رسالة قوّة للعالم، وفي الوقت نفسه يدعم الموقف الروسي المتشدّد. مشكلة الأسد أنّ قوّته تتراجع، وقوّة المعارضة المسلحة تتقدّم وتتطوّر. بعيداً عن كل الأرقام حول تطوّر القوى المسلحة لـالجيش السوري الحر، فإنّ الميدانيات تؤكده. لا شك أنّ قوى عديدة تعمل حالياً على ذلك، لأنّه يجب كسر الإرادة العسكرية للنظام الأسدي. كلما ارتفعت كلفة المواجهات المسلحة كلما تعمّقت الشروخ واتسعت الانشقاقات. تكفي مراقبة نوعية الضباط ورتبهم الذين انشقُّوا في الأيام العشرة الماضية حتى يزول الشك باليقين.
حتى لو لم ينعقد مؤتمر جنيف اليوم، فإنّ ذلك لن يكون أكثر من تأجيل مؤقت. روسيا مضطرة للقبول بحل سريع، لأنّ كل تأخير يُضعف النظام الأسدي ويُضعف بالتالي موقعها التفاوضي. مصر تغيّرت، قد لا تتقدّم بسرعة نحو أخذ موقع متقدّم لها في القرار حول سوريا، لكن فوز محمد مرسي بالرئاسة في مصر أعطى للاخوان المسلمين قوّة دفع على مساحة المنطقة. موقع الاخوان في سوريا سيقوى ويتدعّم، مما سيمنح المعارضة السورية للنظام الأسدي زخماً عربياً إضافياً.
حلقة الحصار تضيق على الأسد ونظامه. العد العكسي بدأ. أمام هذا التطوّر، قد يهرب الأسد إلى الأمام. خطة الهروب تبدو جاهزة وقد يجري تنفيذها بسرعة. حشد القوات (أكثر من 170 دبابة على الحدود التركية بحجّة مهاجمة ادلب) قد تشكّل نقطة احتكاك في هذا الصيف القائظ. تحويل الصراع الداخلي إلى صراع خارجي مع تركيا يقدم فيه الأسد مواجهة الحرب الخارجية واجباً وطنياً وقومياً يتقدّم على المطالب والخلافات الداخلية. التسريبات الإسرائيلية عن حشود عسكرية تجري بصمت وبعيداً عن الإعلام قد لا تكون بعيدة عن الواقع. لكن من الممكن أن تكون أيضاً تصعيداً للضغوط السياسية توصّلاً إلى صيغة وسط تضع قطار الحل في مساره الواقعي.
يبقى أنّه وسط هذا الإعصار في المنطقة، يبدو لبنان على حافة الانزلاق باتجاهه بسرعة. الدولة غائبة أو مغيبة. كل القوى من دون استثناء استسهلت غياب وتغييب الدولة. الحكومة عاجزة عن كل شيء. في السابق كان الثلث المعطل هو المعطل، اليوم لا وجود للثلث المعطل وإنما لإرادات خفيّة بتعطيل كل شيء للبناء على التوازنات القادمة. الخطر الكبير أنّ هذا الانتظار وسط تغييب الدولة وتفكيكها هو الذي يدفع لبنان نحو الانزلاق السريع إلى عين الإعصار. العالم كله أصبح واعياً أنّ لبنان يتلقّى تداعيات الأزمة السورية وأنه تسوده التوتّرات القوية. لبنان أسير لكل الذين يبنون مستقبلهم على نتائج صراع مفتوح على كل التحوُّلات وغير محدّد التوقيت.
أخيراً، في الوقت الذي يقرّ فيه العالم بنتيجة الديموقراطية التي أوصلت الاخواني محمد مرسي رئيساً لمصر، حان الوقت لروسيا أوّلاً أن تقرّ بأنّ للشعب السوري الحق بتنظيم انتخابات حرّة ونزيهة ومتعدّدة لكل المؤسّسات والمناصب كما تقول ورقة أنان لقمّة جنيف، وليس على مثال الانتخابات التي جرت وانتُخب مجلس النواب الحالي، ولا مجلس الوزارء الذي لا علاقة له إلاّ بالأسد، كما حان لكل القوى في لبنان أن تعود إلى قواعد الديموقراطية التي أنتجت خصوصية لبنان، لينقذوا لبنان.
[email protected]
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.