السوريون، يستطيعون الصبر وانتظار اتفاق الغرب والعرب مع الروس حول وسائل إنقاذهم من قائد القتلة بشار الأسد كما وصفه لوران فابيوس وزير خارجية فرنسا. لكن السوريين غير قادرين، ولا ملزمين على الانتظار أكثر مما انتظروا وهم يقدمون قوافل الشهداء يوماً بعد يوم على اتفاق المعارضات السورية على مشروع سياسي يؤكد وحدة الأفق والأدوات للإسراع في توفير الخلاص ووقف المجازر ضدّهم.
الغرب مشكلته، في وجود حصانين يقودان عربته بسرعتين مختلفتين. أوروبا وفي مقدمها فرنسا مستعجلة، على ملاقاة الشعب السوري في التخلص من الأسد. الرئيس باراك اوباما ليس مستعجلاً لأنّ لديه حسابات انتخابية ضيّقة. يعتبر أنّ الأهم له حتى الانتخابات الرئاسية في مطلع تشرين الثاني الحصول على موقف روسي إيجابي حول: الملف النووي الإيراني، وطرق الإمداد والانسحاب العسكري من افغانستان. أما السوريون فإنّهم يستطيعون الانتظار والاستمرار في النزيف. إلى جانب ذلك، فإنّ سوريا ضعيفة ومثخنة بالجراح ستكون أكثر طواعية سياسياً في المستقبل المنظور.
العرب حالتهم حالة. بعضهم مشغول بنفسه والبعض الآخر مشغول بمشاغل الآخرين. إلى جانب ذلك، فإنّهم غير قادرين أكثر من التأييد والدعم المادي حتى الآن. ربّما التحوُّلات الأخيرة قد تساهم وتدعم حصول تحوّل عربي باتجاه انخراط أوسع وأعمق إلى جانب الشعب السوري. لا شك أنّ النظام الأسدي بكل السادية والفاشية التي يمارسها يومياً ضدّ الشعب السوري، دفع بقوّة نحو عسكرة المعارضة الشعبية من جهة، والآن يدفع العرب نحو دعم العسكرة بالمال والسلاح. لم يعد خافياً أنّ السلاح أصبح يصل إلى الجيش السوري الحر، وأنّ تدريبه وتأهيل بعض وحداته أصبح أكثر جدّية وفاعلية. المعادلة الحالية ترتكز على تصعيد النظام الأسدي الحل العسكري إلى أقصى درجاته دون الأخذ في الاعتبار الخسائر البشرية على أمل تحقيق انتصارات ميدانية تمنحه حضوراً أقوى في المفاوضات حوله. فرق كبير بالنسبة له أن يكون بقاؤه بعد الحل في سوريا مقبولاً وبين أن يكون رحيله إلى المنفى شرطاً أساسياً للحل.
أما الروس، فإنّه رغم كل ممانعتهم، قبلوا الآن بخفض سقف مطالبهم. لم يعد بقاء الأسد في السلطة شرطاً لهم. المطلب الروسي حالياً بقاء الأسد حتى نهاية ولايته الرئاسية على قاعدة يرأس ولا يحكم، لأنّ حكومة وحدة وطنية تملك كل الصلاحيات الرئاسية هي التي تدير مسار الحل. مجرّد حصول هذا التقدّم يعني أنّ مؤتمر جنيف لم يفشل وإن كان لم يحقّق نجاحاً كاملاً. بعد جنيف واحد سيأتي ثانٍ وربما ثالث في جنيف أو غيرها. في النهاية مؤتمر الطائف اللبناني لم يكن يتيماً. مسار طويل قاد إلى نجاحه كان ثمنه الكثير من الدماء والدموع والدمار.
يبقى أنّ المسؤولية الأولى والأساسية تقع على المعارضة السورية. مؤتمر القاهرة، محطة مهمّة جداً، وهو مؤهّل لتحقيق نجاحات ضرورية وملحة خصوصاً أنّ مؤتمرين سبقاه، الأول في اسطمبول، والثاني في بروكسل. أهمية مؤتمر القاهرة التي تسمح بتعليق آمال كثيرة عليه أنّه: ينعقد في القاهرة بعد أن أصبح لها رئيس للجمهورية هو الدكتور محمد مرسي، مما سمح بالإعلان عن موقف مصري واضح وهو أنّ مصر مع الشعب ومع مطالبه. لذلك فإنّ مؤتمر المعارضات السورية في مصر اليوم هو غيره في أي وقت سابق. ولا شك أنّ وحدة المعارضات ستوفّر الأسباب الكاملة لمصر الجديدة باتخاذ مواقف أكثر وضوحاً وقوّة وعملية مستقبلاً، وأنّ أغلب الكتل والقوى السورية في الداخل والخارج شاركت في مؤتمر القاهرة بعد أن تجاوزت خلافاتها حول تمثيلها.
[ انّ مشروعاً تحت عنوان مشروع العهد الوطني قد تمّ الاتفاق عليه قبل المؤتمر، وهو يؤكد تعاهد المؤتمرِين على أن يقرّ الدستور الجديد مضامين هذا العهد. وبلا شك أنّ هذا العهد متقدّم أشواطاً عديدة على كل الدساتير العربية المصاغة والمعمول بها حتى الآن، لأنّه يؤكد جملة ثوابت تتضمن وعياً كاملاً لكل التحوّلات التي عرفها الوطن العربي قبل ذلك.
[ انّ العودة إلى شعار الآباء المؤسّسين للدولة: الدين لله والوطن للجميع، ولا أحد يمنع أحداً من حرية اختيار عقيدته وممارستها، وانّ النساء متساوون مع الرجال ويحق لأي مواطن أن يشغل جميع المناصب في الدولة بما فيها رئاسة الجمهورية وبفخر الشعب السوري بتنوّع حضارته وتراثها.
[ لا يجوز التخلي عن أي شبر في سوريا بما فيها الجولان المحتل الذي للشعب السوري الحق في النضال من أجل استعادة أراضيه بكل الوسائل الممكنة.
[ حرية الاعتقاد والتظاهر والاضراب السلميين.
[ تقرّ الدولة السورية بوجود شعب كردي ضمن أبنائها وبهويته وحقوقه القومية المشروعة وفق العهود والمواثيق الدولية ضمن اطار وحدة الوطن السوري، كما تقرّ كذلك بوجود وحرية وحقوق مماثلة للشعبين السرياني الاشوري والتركماني السوريين.
[ سوريا جزء من الوطن العربي.
[ يلتزم الشعب السوري دعم الشعب الفلسطيني وحقه في إنشاء دولته الحرّة السيّدة المستقلة وعاصمتها القدس.
[ تقوم مؤسسات الحكم على أساس الانتخابات الدورية والفصل التام بين السلطات الثلاث.
[ الجيش السوري هو المؤسسة الوطنية التي تحمي البلاد وتصون استقلالها وسيادتها على أراضيها، تحرص على الأمن القومي ولا تتدخّل في الحياة السياسية.
هذا غيض من فيض، الذي تحفّظ عضوان على بندين فقط، علماً أنّ العهد يضم 18 بنداً. هذا العهد ينهي المرحلة الأسدية بكل شرورها، ويحفظ في الوقت نفسه وحدة سوريا وبقاء الدولة السورية.
حان الوقت لكي تتبلور معارضة واحدة وموحّدة على قدر المسؤولية وذات أهلية قادرة على تجاوز فرقتها وتملك الإرادة لمواكبة تضحيات الشعب السوري العظيم.
كلما أسرعت المعارضة السورية في بلورة اتفاقها كلما أجبرت العالم على تجاوز خلافاته والإسراع في إسقاط الأسد إلى الأبد.
[email protected]
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.