إذا جرى رسم خريطة المستقبل، في منطقة الشرق الأوسط، بالخطوط النارية التي تخطها الصواريخ التي أطلقت من الأرض والبحر في المناورة السورية بالذخيرة الحيّة، والصواريخ الايرانية المتعددة الأحجام والمسافات، والتصريحات التصعيدية من جنرالات الجيش الاسرائيلي ضد إيران ولبنان، فإن الحرب الشاملة الاقليمية الدولية واقعة اليوم قبل الغد. لكن كل هذا الضجيج من قرقعة السلاح الصاروخي والاعلامي، ترجمته ليست في الميادين اليوم ولا غداً. في الواقع الترجمة الفعلية في مواقع أخرى وضمن الغرف المغلقة.
في سوريا، تبدو المناورات العسكرية بالذخيرة الحية مظاهرة صغيرة، أمام ما يقوم به للأسف، الجيش السوري الباسل بنجاح منقطع النظير في تدمير القرى والمدن السورية. منذ أيام ينفذ بشار الأسد مع سراياه الوفيّة خطة عسكرية تقوم على حرق وتهجير كل القرى المتمردة، لأنه لم ينجح في إقناع السوريين، بعد أن كسروا خوفهم في تناول خمسة الى خسمين دولاراً ثمناً حتى لا يتحولوا شهداء احياء. وفي الوقت نفسه، يرفع جاهزية سراياه تحضيراً للهجوم الواسع لتحرير الجولان، الذي لم يكن يوماً مطروحاً مع الأسد الى الأبد من الأب الى الإبن. يريد الأسد الحسم قبل حلول رمضان. أي ما زال أمامه حوالى عشرة أيام من حفلات الحرق والتدمير والقتل، بعد ذلك يمكنه تنفيذ ما اتفق عليه مع كوفي أنان. الجنرال وقت ما زال في خدمة الأسد ونظامه، لأن العجز الدولي كامل، لعل أبرز مثال عليه، إعلان أنان فشله وبعد 48 ساعة أعلن اتفاقه مع الأسد على تنفيذ اتفاق متطور.
إيران بدورها تناور بقوة. تريد أن تؤكد حضورها القوي، لأن مفاوضات مجموعة خمسة زائد واحد تبدو وكأنها تراوح مكانها. قد يفيدها هذا التوقف لكسب المزيد من الوقت، لكن المشكلة أن الوقت ليس مفتوحاً على الوقت الى ما لا نهاية. أمام ايران فترة مفتوحة حتى انتهاء الانتخابات الرئاسية الأميركية في مطلع تشرين الثاني. بعد ذلك عقارب الساعة لن تعود الى الوراء. الخبث الأوبامي المستند الى حرية في الحركة والقرار لفترة أربع سنوات تسمح له بالذهاب بعيداً في ضغوطه. مهما كابرت إيران فإن الضغوط الاقتصادية فعلت فعلها. أبرز مفاعيلها في انهيار سعر التومان الايراني بالنسبة للدولار والتضحم الهائل في البطالة والأسعار، وانكفاء التنمية والاستثمار. أما المضحك المبكي أن يلجأ الرئيس أحمدي نجاد الى هاشمي رفسنجاني الرئيس الأسبق الذي كال له من الاتهامات ما يكفي لإحداث زلزال سياسي في البلاد، للعمل معه من أجل الخروج من الأزمة الاقتصادية. ايران تهدد لأول مرة من موقع الضعيف وليس القوي. ضجيج مثل هذا التهديد يكون عادة عالياً وفعله صغيراً.
اسرائيل وهي على أيام من الذكرى الأليمة بالنسبة لها أي حرب تموز 2006، تخوض حرباً إعلامية وقائية. من الواضح أن إسرائيل لا تريد الحرب، لذلك تصعّد إعلامياً في رسم كوارث أي حرب قادمة. حزب الله أيضاً سيصعّد في رده على التهديدات الإسرائيلية. هذا واجبه، طالما أن كل ذلك يقع في دائرة الحرب الإعلامية الوقائية. لكن واجب الحزب الأول والملحّ والضروري، أن يحمي الجبهة الداخلية. عليه تقع المسؤولية لأنه الطرف الأقوى والممسك بمفاصل القرار على مساحة لبنان مهما تواضع ونفى ذلك. حماية الجبهة تكون في الدفع نحو تسوية سياسية حقيقية مع كامل المكونات اللبنانية خصوصاً مع السنّة المعتدلين قبل أن تلتهم نار التطرف الاعتدال والمعتدلين السنّة. الأسير ليس يتيماً. مهما كان خطابه كريهاً ومليئاً بالتفاهة السياسية، فإنه ساهم في انتشار القلق الى درجة الخوف من هجمة، هيمنة بعضها واقعي وبعضها الآخر مفبرك ومدسوس، فإنه يوجد مثل الأسير عديدون. على الحزب خصوصاً وهو يستعد لذكرى حرب تموز تقديم مبادرة حقيقية تنزع من خطاب الأسير كل المفاعيل التي تأسر الشارع السنّي، وأن يعيد التأكيد بأن انتصار 2006 كان من صنع جميع اللبنانيين ومن أجل كل لبنان. دون ذلك فإن أي مبادرة لاحقة ستأتي متأخرة وبلا تأثير.
إقدام حزب الله على مبادرة سياسية حقيقة وواقعية الآن قبل انهيار النظام الأسدي نهائياً تجعله يربح. أي مبادرة بعد سقوط النظام الأسدي لا معنى لها أكثر من محاولة لتحسين مواقعه وتخفيف خسائره.
العد العكسي لرحيل الأسد بدأ. موسكو تفاوض عليه، وليس من أجله. مهما حفظت موسكو لإيران من موقع في المفاوضات على رأس الأسد، فإن إيران ستخرج ضعيفة. حان الوقت لحزب الله أن يأخذ كل ذلك في حساباته. اللبنانيون خصوصاً الجنوبيين سيتجاوزون كل اعتراضاتهم وخلافاتهم، ويقفون مع المقاومة إذا هاجمت إسرائيل لبنان. أما إذا أقحم حزب الله لبنان واللبنانيين في حرب إقليمية ودولية من أجل الأسد أو من أجل إيران، فإن أحداً لن يرحمه ولن يعفيه من المسؤولية خصوصاً الجنوبيين الجانحين نحو البناء والاستقرار بعد أن شعروا بالأمن وبضمانته لأول مرة منذ العام 1948.
[email protected]
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.