لن تتأخّر ولن تمتنع روسيا عن استخدام حق الفيتو في مجلس الأمن ضدّ أي قرار لا تقبل به ضدّ سوريا. قيصر روسيا الجديد فلاديمير بوتين مستعد للذهاب بعيداً للدفاع عن النظام الأسدي، ليس حبّاً بالاسد ولا تعلّقاً به، وإنّما لأنّه حوّل له سوريا إلى ملعب للحرب الباردة مع الولايات المتحدة الأميركية. طبعاً، روسيا بوتين ليست الاتحاد السوفياتي لكي تحوّل هذه الحرب الباردة الصغيرة من محدودة إلى مفتوحة. لكن طالما أنّها تخدم موقفها وتفتح لها باباً ولو صغيراً لتحقيق بعض مصالحها لتأخذ ما يمكنها من واشنطن بأقل كلفة ممكنة، فإنّ عملية الاستثمار مستمرة.
موسكو تقود عملياً المعركة في دمشق. العديد من الجنرالات والضباط والخبراء في عدّة قطاعات عسكرية وحتى قنّاصة قاتلوا في الشيشان، ينشطون على الأرض ضدّ الجيش السوري الحر وحتى المدنيين. الخبراء الروس، ينصحون في حقيقة الأمر يطلبون ويفرضون الضباط والقوّات السورية العاملة على كيفية إدارة الحرب. تكتيك الأرض المحروقة خان شيخون أبرز مثال على ذلك هو نتاج كامل من تجربة غروزني. حالياً يتم غرزنة سوريا لإنقاذ الأسد لأطول مدّة ممكنة، لأنّ موسكو تعرف جيداً أنّ النظام الأسدي لا يمكنه البقاء طويلاً إلاّ إذا تحوّلت الثورة إلى حرب أهلية مكشوفة.
وجود روسيا على البحر الأبيض المتوسط مهم جداً لها. الدب الروسي، بحاجة للمياه الدافئة على الصعيد الاستراتيجي. لكن قاعدة طرطوس وحدها لا تفسّر التصعيد الروسي، ولا حتى استعادة موسكو لقاعدة قاسيون الرادارية، التي كانوا يديرونها في السابق وعادوا إليها مؤخراً. جرى تحديث قاعدة رادار قاسيون بأحدث المعدات وهي تراقب حالياً تحت إشراف وإدارة الضباط الروس مباشرة: البحر المتوسط، وتركيا وقواعد الدرع الصاروخية، وإسرائيل. يوجد العديد من الملفات التي دفعت موسكو لاقتناص الملعب السوري وتحويله إلى ساحة مواجهة مع واشنطن. روسيا اليوم دولة من العالم الثالث رغم كل مظاهر القوّة. إنّها دولة مصدّرة للنفط والغاز والحديد والخشب والألماس، لكنها ليست دولة صناعية تستطيع تلبية حاجات السوق الداخلية، فكيف بالسوق الخارجية، وهي أصبحت سوقاً استهلاكية ضخمة. لكن لا يمنع هذا من أنّ روسيا استعادت الكثير من قدراتها في قطاع الصناعات العسكرية وهي تعمل على استعادة أسواق كثيرة ضاعت منها في الفترة اليلتسينية وفي الوقت نفسه المحافظة على أسواق تاريخية لها مثل سوريا والجزائر.
الملعب السوري، سمح للقيصر بوتين أن يطرح سلّة من الملفات على الرئيس باراك اوباما. المفاوضات كانت غنية، لكن التوقيع النهائي لن يتم قبل إعادة انتخاب اوباما في تشرين الثاني المقبل، هذا إذا لم تقع مفاجأة زلزالية وسقط في الانتخابات لتعود المفاوضات من حيث بدأت، أما الملفات فمنها ما يخص واشنطن مباشرة ومنها بالواسطة.
* الدرع الصاروخية تضع حول روسيا حزاماً من الألغام لأنه يتمدّد من أذربيجان إلى بلغاريا مروراً بتركيا. طبعاً أكثر ما يهم موسكو في هذا الحزام، تركيا.
[ في حرب أنابيب النفط، تريد روسيا إلغاء مشروع خط أنابيب الغاز الذي يمتد من قطر والسعودية وسوريا وتركيا. هذا الأنبوب يضرب قطاع تصدير الغاز إلى أوروبا ويلغي انبوب ناباكو الذي خاضت روسيا حرباً من أجله عملياً ضدّ جورجيا واعترفت باوسيكيا رغم أنّ جورجيا تقول انها جزء من أراضيها. لا تريد موسكو بوتين ولا غيرها أن يتمكن أحد من الإمساك بـوريد الغاز. سوريا جزء من مشروع هذا الانبوب وهو يجعلها نقطة قطع ووصل يمكن لموسكو في فرض شروطها طالما أنّ النظام الموجود حليف لها.
* لا يريد بوتين أن يسمع بنشاط للمعارضة الروسية وهو يرفض رفضاً باتاً أي تدخل غربي، وخصوصاً أميركي، في شؤون روسيا الداخلية. تجربة المجتمع المدني في مصر خصوصاً استخدام التويتر وغيره أثار حفيظة بوتين.
[ في روسيا 20 مليون مسلم من أصل 120 مليون نسمة متواصلين ومتحالفين مع 22 مليون مسلم في الجمهوريات المسلمة المحيطة بروسيا التي تورد لها اليد العاملة الرخيصة. روسيا بوتين تعمّق تحالفها مع الكنيسة الارثوذكسية مما يرفع منسوب المعارضة الإسلامية. القيصر بوتين أبلغ كل مَن التقاه أنّ على الجمعيات والمجموعات الإسلامية خصوصاً من الدول العربية وعلى رأسها قطر وقف كل مساعداتها الى الشيشانيين وسياسة بناء الجوامع والمدارس الدينية في الجمهوريات في اطار وقف تمدّد التشدّد والتطرّف الإسلامي الذي يهدّد الأمن القومي الروسي.
ما يساعد بوتين على الضغط عبر الملعب السوري أنّ واشنطن ليست مستعجلة على الحل. تُفضِّل واشنطن استنزاف سوريا وروسيا في الوقت نفسه. في سوريا تأخذ ما تريد عندما تدق الساعة، ومن روسيا تأخذ تنازلات أكثر بكلفة أقل. واشنطن تعرف أيضاً ان روسيا لا تنمو وإنما هي مستنزفة اقتصادياً. خسرت موسكو حوالى الربع من مداخيلها في الأشهر الأخيرة، في مجالي أسعار النفط وسعر اليورو. لدى موسكو فائض يصل الى 514 مليار دولار، لكن حاجاتها تستنزف هذا المخزون بسرعة كبيرة.
المعركة مفتوحة. كلما نجحت المعارضات السورية في تحقيق إنجازات حقيقية سياسية وميدانية، كلما فرضت- حتى على غير المستعجلين مثل موسكو وواشنطن- استعجال الاتفاق الذي ينقذ سوريا، حتى لا تتحوّل إلى قنبلة ملوثة، تخرب حسابات الجميع.
[email protected]
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.