خلال اللقاء الطويل بين سيد المختارة وليد جنبلاط والسفير الإيراني في لبنان غضنفر ركن آبادي بداية شهر رمضان المبارك، قفز الحوار فجأة من سوريا إلى مصر. وليد جنبلاط الذي رفض وصف الثوار في سوريا بالارهابيين أضاف: أن الشعب السوري لا تنقصه الكفاءات والطاقات، وها هي مصر انتخبت رئيساً للجمهورية والانتخابات التونسية أنتجت حزب النهضة، وذلك في اشارة واضحة إلى أن السوريين قادرون أيضاً بما يملكونه من كفاءات على المضي في مسار ينتج انتخابات رئاسية واقامة نظام ديموقراطي. السفير الإيراني اختار الرد على ذلك بقوله: ولكن كم رئيسا يوجد في مصر الآن؟ لقد أخذوا من الرئيس صلاحياته وإلى جانب مرسي هناك رئيس آخر هو الطنطاوي.
هذه القراءة الإيرانية للأحداث في مصر لم تكن يتيمة. الأغلبية المطلقة من المصريين وصولاً إلى عواصم القرار في العالم، كانت ترى أن في مصر دولتين وليس دولة واحدة، وأن محمد مرسي ليس أكثر من واجهة للمجلس العسكري الحاكم الفعلي، وأن مرسي الذي يقدم له التعظيم علناً، مضطر لتقديم التعظيم لطنطاوي والفريق عنان خلف الأبواب المغلقة. هذه القراءة المبسطة لما تعيشه مصر منذ ثورة 25 يناير حتى اليوم هي التي جعلت قرارات مرسي تنفجر مثل الصاعقة في قلب القاهرة ويُسمع صداها في إنحاء العالم خصوصاً في واشنطن وتل أبيب.
لا شك أن الرئيس محمد مرسي، لعب ببراعة، فقد قبل بتقديم نفسه رئيساً وديعاً يقبل بأن يكون منزوع الصلاحيات إلى درجة أن بعض المغالين في التعامل مع هذا المظهر الخارجي له لم يتوانوا عن نعته بأوصاف مستخرجة من اسمه من نوع شكراً أيها النادل لكن كما يبدو فإن النادل كان يخبئ تحت منديله مسدس قراراته التي أطلقها في البداية بالتوافق مع المشير طنطاوي والمجلس العسكري حتى إذا اطمأنوا إليه، أفطر عليهم قبل أن يدركوا العصر. لذلك سارع معلّقون إلى القول لقد أفطرنا المغرب على دولة واحدة وعلى رئيس واحد. قام مرسي بضربة تحضيرية عندما استثمر جريمة سيناء لاقالة مدير المخابرات بالاتفاق مع المشير طنطاوي المنزعج من طموحاته للعب دور مماثل للمرحوم عمر سليمان. بعد ذلك وقعت الضربة القاضية، وبقرار واحد خرج الجميع من مواقع القرار في الجيش، اما إلى موقع المستشار الذي لا يُستشار، أو إلى إدارة المؤسسات الاقتصادية الضخمة العزيزة على القبضة المالية للمؤسسة العسكرية. بعد اقالة المشير طنطاوي ورفاقه ليس كما قبل ذلك والسؤال: ماذا يعني ذلك وماذا سيحدث بعد هذا؟
ليست هي المرة الأولى التي ينجح فيها الرئيس المصري في اقالة كل هؤلاء الجنرالات ليمسك بالسلطة ويصبح رئيساً يملك كل صلاحيات الرئاسة. قبل ذلك جاء أنور السادات وكان محاصراً برفض الجميع من جنرالات المؤسسة العسكرية إلى القيادات السياسية. بقرار واحد أدخل الجميع السجن أو غرف نومهم، وأصبح أنور السادات الرئيس المؤمن الذي حكم وحده ووقع اتفاقية كامب دايفيد دون سؤال ولا مساءلة حتى اغتياله. لذلك فإن الرئيس محمد مرسي المنتخب في انتخابات نزيهة وحصل فيها على أغلبية شعبية تصل إلى 52 بالمئة يملك الشرعية الشعبية، وإلى جانبه الاخوان المسلمين فإن قوى ثورية عديدة وتقف الآن معه، خصوصاً الذين يعتقدون أن المشير طنطاوي والفريق عنان ومن معهما يعملان على وأد أي تحرك ثوري ومحاصرته لايقاف التغيير عند حدود الرئاسة وأن لا يصل ذلك إلى مصر العميقة.
أن الرئيس مرسي لم يقم بانقلاب بمعنى الدفع نحو انقلاب سياسي يلغي ما سبق، فالفريق أول عبد الفتاح السيسي وزير الدفاع الجديد معروف جيداً من الأميركيين، فقد عبر دورة تدريبية لمدة سنة كاملة، وكان بصفته القائد الفعلي للمخابرات الحربية على اتصال وتواصل مع الأجهزة الأميركية. لذلك فإن واشنطن غير قلقة من التغيير الذي حصل لانها قادرة على متابعة علاقاتها مع المؤسسة العسكرية المصرية عن قرب. أما بالنسبة لإسرائيل فإنها حالياً تبدو الخاسرة لانها تعرف كل الذين خرجوا من السلطة في حين انها لا تعرف الكثير عن القادمين.
ان هذا النجاح السريع للرئيس محمد مرسي يدفع للسؤال عما إذا كان سينتج عنه عملياً مثالاً للديموقراطية وسيطرة للمدنيين خصوصاً بعد تعيين نائب للرئيس مدني؟ أم انه سيؤدي إلى انقلاب اخواني يعمل على الإمساك كلياً بالسلطة، لتبدأ مرحلة جديدة من الصراعات، لن تكون ميادين مصر بعيدة عنها؟
أن هذا التحول المدني الضخم الذي وقع في ليلة واحدة تجاوز بكثير ما حصل في تركيا من صراع بين حزب العدالة والتنمية والمؤسسة العسكرية التركية طوال سنوات. لكن من الواضح أن هذا المسار لم يكتمل والسؤال المطروح جدياً يتناول القضاء المصري خصوصاً أن نائب الرئيس المعين القاضي محمود مكي، معروف بمواقفه المستقلة والناقدة لكل الجسم القضائي في مصر.
طبعاً يمكن طرح عشرات الأسئلة والاستنتاجات، لكن الكثير منها سيبقى بلا اجابة خصوصاً أن ملاحقة التطورات وقراءة مفاعيلها مسبقاً تشبه إلى حد كبير معرفة ماذا سيحصل في مصر التي تمتطي نمراً؟
[email protected]
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.