عاد الحل اليمني للأزمة في سوريا، يطفو على السطح. رغم كل التحفظات العلنية حوله، والامتناع عن الخوض في تفاصيله. لكن من الواضح أن البحث في وضع الأزمة السورية على مسار هذا الحل يُدرس بجدية، خصوصاً من موسكو. الروس فقدوا الثقة بنجاح الحل الأمني الأسدي. انتهاء شهر رمضان المبارك، من دون إنجازات عسكرية أسدية، رفع منسوب فقدان الثقة وحتى الأمل بإمكانية إنقاذ النظام الأسدي. موسكو كانت قد أعطت الأسد ضوءاً أخضر لاستخدام كل قوته النارية لتحقيق انتصارات واضحة حتى يمكن التفاوض على الحل من موقع قوة. حتى الطيران الحربي، بما فيه استخدام طائرات ميغ 23 الى جانب القصف المركز والشامل لسلاح الهليكوبتر لم يقلب الموازين. السوريون اعتادوا على دفع ضريبة الدم ولن يتراجعوا، والعالم، خصوصاً واشنطن، لم يعد بإمكانه تجاهل مفاعيل هذا القصف الجوي لنظام ضد شعبه.
لا شك، أن تفجير دمشق الذي قتل فيه أربعة من نجوم آلة القتل السورية في مقدمهم آصف شوكت وتمدد العمليات العسكرية الى قلب دمشق وحلب يساهم في دفع موسكو للبحث عن خيارات جديدة.
تراجع النظام الأسدي عسكرياً واقتصادياً وحاجته الكاملة للمساندة في القطاعين لمواجهة نمو قوة المعارضة المسلحة رغم الحظر الغربي والعربي المفروض على تسلحها، يزيد من ضيق دائرة الخيارات أمام الباحثين عن حل لا يكون في صلبه خروج بشار الأسد من السلطة.
أيضاً، وهو مهم جداً، الكلام المتزايد عن إصابة ماهر الأسد وعطبه وصولاً الى تسريبات من مصادر مطلعة من قلب النظام الأسدي بأن ماهر الأسد توفي قبل أيام بعد معاناة طويلة من السمّ أولاً ومن جراحه ثانياً يدفع أكثر فأكثر للبحث عن حل سياسي. الذين يقولون إن ماهر الأسد قُتل، يضيفون أنه يجب العثور على حل فيه الكثير من المخيلة السياسية في فترة لا تزيد عن أسابيع قليلة، لأن كل يوم قتال جديد يهدد المنطقة كلها وفي مقدمها لبنان.
أي حل يمني لسوريا، لا يمكن أن يترك لبشار الأسد حق البقاء في دمشق كما حصل لعلي عبدالله صالح. الوضع مختلف جداً. الإجرام الذي نفّذه الأسد في سوريا يتجاوز بكثير ما فعله صالح. السؤال هل يقبل الأسد مغادرة سوريا الى روسيا أو فنزويلا أو إيران؟.
علاقة موسكو مع سوريا تاريخية، أما مع عائلة الأسد فمرحلية. بين استمرار علاقاتها مع دمشق بطريقة من الطرق، وخسارتها الكاملة لدمشق مع سقوط الأسد لا شك أن موسكو تفضّل الحل الأول. من الضروري أن البحث عن حل سياسي يتطلب التفاهم مع واشنطن. المشكلة أن الإدارة الأوبامية لا تبدو مستعجلة على الحل. كلما طالت الأزمة كسبت. سوريا تزداد ضعفاً، وتضطر لاحقاً لتقديم واجب الطاعة. أيضاً تزداد خسارة موسكو وتخف قدرتها على التفاوض من موقع القوة.
المكاسب التي يمكن أن تحققها واشنطن كلما طالت الأزمة السورية يقابلها وقوع مخاطر متزايدة، قد لا يمكن ضبط تردداتها في الوقت المناسب. من ذلك أن الأسد المدعوم من إيران بقوة لأن سقوطه يشكل خسارة استراتيجية للنظام الإيراني، سيصعّد أكثر فأكثر سورياً، وسيعمل أكثر فأكثر على رمي كرات النار في كل الاتجاهات. لبنان هو الهدف الأول لأنه الحلقة الأضعف، ولأن الأسد يملك فيه وجوداً وقوى تعتبر مصيرها من مصيره. ما قام به ميشال سماحة يشكل مثالاً صارخاً على هذا المنحى وهذا التوجه. إقدام سياسي مخضرم مثل سماحة على السقوط في حفرة التفجير والقتل تلبية لطلب مباشر من الأسد يؤكد مدى استخفاف الأسد بلبنان ومن يؤيدونه. من الواضح أن الأسد كوالده يرى في اللبنانيين الملتزمين به أدوات وليس حلفاء. الحليف تتم المحافظة عليه أما الأداة فإنها تنتهي مع انتهاء دورها والحاجة إليها. أيضاً الأسد قذف الى تركيا كرة النار الكردية، وإلى العراق كرة النار المذهبية. حتى الفلسطينيين لم يسلموا من ناره، وقد سبق أن نالهم منه ومن والده الكثير من لهيب القتل والتهجير والدفع نحو الانقسام وحروب الاخوة.
هذا الاندفاع الأسدي نحو تفجير كل الدوائر المحيطة به قد تخيف مؤقتاً دوائر القرار، لكن من المؤكد أنها ستجد نفسها مدفوعة للبحث في كل الوسائل المتاحة للتخلص من النظام الأسدي، لأن كل يوم يبقى فيه يصبح أكثر دموية وخطراً على الداخل والخارج معاً.
كلما أسرعت موسكو في الدفع نحو حل يمني أو غير ذلك من الحلول التي تتطلب مخيلة سياسية لا تنقصها، كان أفضل. ما يؤكد أن حلاً روسياً على مثال الحل اليمني، يبدو مقبولاً أن واشنطن شددت أمس على وجوب بقاء الجيش السوري موحداً. مثل هذا الخيار يفتح الباب أمام موسكو للعثور على صيغة الحل خصوصاً وأنها الأكثر معرفة بالتفاصيل الدقيقة لتركيبة الجيش السوري. من مصلحة موسكو بقاء الجيش السوري موحداً لأن حضورها ودورها في سوريا على علاقة وثيقة وتاريخية مع الجيش السوري. في النهاية إذا كان الحل اليمني غير ممكن، فإن موسكو قادرة على الدفع باتجاه انقلاب عسكري يضمن للجميع خصوصاً العلويين موقعاً لهم في سوريا بلا الأسد.
هل تتّعظ موسكو فتخرج سوريا والمنطقة من دائرة النار فتربح بعد أن خسرت، أم تماطل لتخسر أكثر فأكثر؟.
[email protected]
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.